تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ} (78)

{ 78 ْ } { قَالُوا ْ } لموسى رادين لقوله بما لا يرده : { أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ْ } أي : أجئتنا لتصدنا عما وجدنا عليه آباءنا ، من الشرك وعبادة غير الله ، وتأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له ؟ فجعلوا قول آبائهم الضالين حجة ، يردون بها الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام .

وقولهم{[411]} : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ ْ } أي : وجئتمونا لتكونوا أنتم الرؤساء ، ولتخرجونا من أرضنا . وهذا تمويه منهم ، وترويج على جهالهم ، وتهييج لعوامهم على معاداة موسى ، وعدم الإيمان به .

وهذا لا يحتج به ، من عرف الحقائق ، وميز بين الأمور ، فإن الحجج لا تدفع إلا بالحجج والبراهين .

وأما من جاء بالحق ، فرد قوله بأمثال هذه الأمور ، فإنها تدل على عجز موردها ، عن الإتيان بما يرد القول الذي جاء خصمه ، لأنه لو كان له حجة لأوردها ، ولم يلجأ إلى قوله : قصدك كذا ، أو مرادك كذا ، سواء كان صادقًا في قوله وإخباره عن قصد خصمه ، أم كاذبًا ، مع أن موسى عليه الصلاة والسلام كل من عرف حاله ، وما يدعو إليه ، عرف أنه ليس له قصد في العلو في الأرض ، وإنما قصده كقصد إخوانه المرسلين ، هداية الخلق ، وإرشادهم لما فيه نفعهم .

ولكن حقيقة الأمر ، كما نطقوا به بقولهم : { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ْ } أي : تكبرًا وعنادًا ، لا لبطلان ما جاء به موسى وهارون ، ولا لاشتباه فيه ، ولا لغير ذلك من المعاني ، سوى الظلم والعدوان ، وإرادة العلو الذي رموا به موسى وهارون .


[411]:- في ب: وقوله.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ} (78)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوَاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَآءُ فِي الأرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال فرعون وملؤه لموسى : أجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا يقول : لتصرفنا وتلوينا ، عَمّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من قبل مجيئك من الدين يقال منه : لفت فلان عنق فلان إذا لواها ، كما قال ذو الرمّة :

*** لَفْتا وتَهْزِيعا سَوَاءَ اللّفْتِ ***

التّهْزِيع : الدّقّ ، واللّفْتُ : اللّيّ . كما :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : لِتَلْفِتَنا قال : لتلوينا عَمّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا .

وقوله : وَتَكُونَ لَكُما الكِبْرِياءُ فِي الأرْضِ يعني العظمة ، وهي الفعلياء من الكبر . ومنه قول ابن الرقاع :

سُؤْدُدا غيرَ فاحِشٍ لا يُدَا *** نِيهِ تَجْبَارُهُ وَلا كِبْرِياءُ

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَتَكُونَ لَكُما الكِبْرِياءُ فِي الأرْضِ قال : الملك .

قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد : وَتَكُونَ لَكُما الكِبْرِياءُ فِي الأرْضِ قال : السلطان في الأرض .

قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني ، عن مجاهد ، قال : الملك في الأرض .

قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَتَكُونَ لَكُما الكِبْرِياءُ فِي الأرْضِ قال : الطاعة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَتَكُونَ لَكُما الكِبْرِياءُ فِي الأرْضِ قال : الملك .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : السلطان في الأرض .

وهذه الأقوال كلها متقاربات المعاني ، وذلك أن الملك سلطان ، والطاعة ملك غير أن معنى الكبرياء هو ما ثبت في كلام العرب ، ثم يكون ذلك عظمة بملك وسلطان وغير ذلك . وقوله : وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ يقول : وما نحن لكما يا موسى وهارون بمؤمنين ، يعني بمقرّين بأنكما رسولان أرسلتما إلينا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ} (78)

وقوله تعالى : { قالوا أجئتنا } الآية ، المعنى قال قوم فرعون لموسى : أجئتنا لتصرفنا وتلوينا وتردنا عن دين آبائنا ، ويقال لفت الرجل عن الآخر إذا لواه ، ومنه قولهم : التفت فإنه افتعل من لفت عنقه ، ومنه قول رؤبة : [ الرجز ]

لفتاً وتهزيعاً سواء اللفت . . {[6189]}

وقرأ السبعة سوى أبي عمرو فإنه اختلف عنه «وتكون » بالتاء من فوق وهي قراءة جمهور الناس ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن فيما زعم خارجة وإسماعيل ، «ويكون » بالياء من تحت ورويت عن أبي عمرو وعن عاصم وهي قراءة ابن مسعود ، و { الكبرياء } : مصدر مبالغ من الكبر ، والمراد به في هذا الموضع الملك ، وكذلك قال فيه مجاهد والضحاك وأكثر المتأولين ، لأنه أعظم تكبر الدنيا ، ومنه قول الشاعر [ ابن الرقاع ] : [ الخفيف ]

مؤددا غير فاحش لا تداني*** ه تجبارة ولا كبرياء{[6190]}

وقوله { بمؤمنين } بمصدقين .


[6189]:- هذا بيت لرؤبة قاله ضمن قصيدة عن نفسه جاء في مطلعها: يا بنت عمرو لا تسبي بنتي حسبك إحسانك إن أحسنت وبعده يقول:........................... وطامح النخوة مستكت واللَّفت: اللّيّ، يقال: لفته يلفته لفتا إذا لواه وصرفه، والتهزيع: التكسير أو دقّ العنق، وسواء اللفت: سوى اللفت. يقول: التهزيع غير اللفت. ومن اللفت قول شاعر: تلفت نحو الحي حتى رأيتني وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا.
[6190]:- السؤدد: المجد والشرف والسيادة، غير فاحش: ليس فيه بغي ولا تجبر ولا عدوان ولا تخالطه الكبرياء، والتّجبار: مصدر بمعنى الجبر والقهر، والكبرياء بوزن فعلياء هي العظمة إذا كانت وصفا لله سبحانه، فإذا كانت وصفا للمخلوقين فهي التكبر والاستعلاء على الناس مع الظلم لهم.