قوله : " قَالُوا " يعني : فرعون وقومه ، " أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا " اللاَّمُ متعلقةٌ بالمجيء ، أي : أجِئْتَ لهذا الغرضِ ، أنكروا عليه مجيئهُ لهذه العلَّة ، واللَّفتُ : الليُّ والصَّرْفُ ، لفته عن كذا ، أي : صرفه ولواه عنه ، وقال الأزهري{[18557]} : " لفَتَ الشَّيء وفتلهُ " : لواه ، وهذا من المقلوب .
قال شهاب الدِّين : " ولا يُدَّعى فيه قلبٌ ، حتى يرجع أحدُ اللفظين في الاستعمال على الآخر ، ولذلك لم يَجْعَلُوا جذبَ وجبذَ ، وحَمِدَ ومَدَحَ من هذا القبيل لتساويهما ، ومطاوعُ لَفَتَ : التفَت ، وقيل : انْفَتَلَ ، وكأنَّهُم استغْنَوا بمطاوع " فَتَل " عن مطاوع لَفَتَ ، وامرأة لفُوت ، أي : تَلْتفتُ لولدها عن زوجها ، إذا كان الولد لغيره ، واللَّفيتةُ : ما يغلظُ من القصيدة " والمعنى : أنَّهم قالوا : لا نترك الذي نحن عليه ؛ لأنَّا وجدنا أباءنا عليه ، فتمسكُوا بالتقليد ، ودفعُوا الحُجَّة الظاهرة بمجرد الإصرار .
قوله : { وَتَكُونَ لَكُمَا الكبريآء فِي الأرض } الكبرياء : اسمُ " كان " ، و " لكم " : الخبر ، و " في الأرض " : جوَّز فيها أبو البقاء خمسة أوجه :
أحدها : أن تكون متعلقة بنفس الكبرياء .
الثاني : أن يتعلق بنفس " تكون " .
الثالث : أن يتعلَّق بالاستقرار في " لكم " لوقوعه خبراً .
الرابع : أن يكون حالاً من " الكبرياء " .
الخامس : أن يكون حالاً من الضَّمير في " لَكُمَا " لتحمُّلِه إيَّاهُ " . والكبرياء مصدرٌ على وزن " فِعْلِيَاء " ، ومعناها : العظيمة ؛ قال عديُّ بن الرِّقَاعِ : [ الخفيف ]
سُؤدُدٌ غَيْرُ فَاحِشٍ لا يُدَانِي *** يه تجبَّارةٌ ولا كِبْرياءُ{[18558]}
وقال ابن الرّقيات يمدح مصعب بن الزبير : [ الخفيف ]
مُلْكُهُ مُلْكُ رَأفَةٍ ليس فيه *** جَبَرُوتٌ مِنْهُ ولا كِبْرِيَاءُ{[18559]}
يعني : هو ليس عليه ما عليه المملوكُ من التجبُّر والتَّعظيم .
والجمهور على " تكون " بالتَّأنيث مراعاةً لتأنيث اللفظ .
وقرأ ابن مسعود{[18560]} ، والحسن ، وإسماعيل وأبو عمرو ، وعاصم - رضي الله عنهم - في روايةٍ : " يكون " بالياء من تحت ؛ لأنَّه تأنيثٌ مجازيٌّ .
قال المفسِّرون : والمعنى : ويكون لكُما الملكُ والعزُّ في أرض مصر ، والخطابُ لموسى ، وهارون - عليهما الصلاة والسلام - .
قال الزَّجَّاج : سمى الملك كبرياء ؛ لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا ، وأيضاً : فالنبيُّ إذا اعترف القوم بصدقه ، صارت مقاليدُ أرم أمته إليه ؛ فصار أكبر القوم .
واعلم : أنَّ القوم لمَّا ذكروا هذين الشيئين في عدم اتِّباعهم ، وهما : التَّقليد ، والحرصُ على طلب الرِّياسة ، صرَّحُوا بالحكم ، فقالوا : { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } ، ثم شرعُوا في معارضةِ معجزات موسى - عليه الصلاة والسلام - بأنواعٍ من السحر ؛ ليظهر عند الناس أن ما أتى به موسى من باب السِّحْر ، فقال فرعون : { ائتوني بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.