وجملة : { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فماذا قالوا بعد أن قال لهم موسى ما قال ؟ وفي هذا ما يدلّ على أنهم انقطعوا عن الدليل ، وعجزوا عن إبراز الحجة ، ولم يجحدوا ما يجيبون به عما أورده عليهم ، بل لجأوا إلى ما يلجأ إليه أهل الجهل والبلادة ، وهو : الاحتجاج بما كان عليهم آباؤهم من الكفر ، وضموا إلى ذلك ما هو غرضهم وغاية مطلبهم ، وسبب مكابرتهم للحق ، وجحودهم للآيات البينة ، وهو الرياسة الدنيوية التي خافوا عليها ، وظنوا أنها ستذهب عنهم إن آمنوا ، وكم بقي على الباطل ، وهو يعلم أنه باطل بهذه الذريعة من طوائف هذا العالم في سابق الدهر ولاحقه ، فمنهم من حبسه ذلك عن الخروج من الكفر ، ومنهم من حبسه عن الخروج إلى السنة من البدعة ، وإلى الرواية الصحيحة من الرأي البحت ، يقال : لفته لفتاً : إذا صرفه عن الشيء ولواه عنه ، ومنه قول الشاعر :
تلفت نحو الحيّ حتى رأيتني *** وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا
أي : تريد أن تصرفنا عن الشيء الذي وجدنا عليه آباءنا ، وهو عبادة الأصنام ، والمراد بالكبرياء : الملك ، قال الزجاج : سمي الملك كبرياء ؛ لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا ؛ وقيل سمي بذلك ؛ لأن الملك يتكبر .
والحاصل : أنهم عللوا عدم قبولهم دعوة موسى بأمرين : التمسك بالتقليد للآباء ، والحرص على الرياسة الدنيوية ؛ لأنهم إذا أجابوا النبي وصدّقوه صارت مقاليد أمر أمته إليه ولم يبق للملك رئاسة تامة ؛ لأن التدبير للناس بالدين يرفع تدبير الملوك هم بالسياسات والعادات ، ثم قالوا : { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } تصريحاً منهم بالتكذيب ، وقطعاً للطمع في إيمانهم ، وقد أفرد الخطاب لموسى في قولهم : أجئتنا لتلفتنا ، ثم جمعوا بينه وبين هارون في الخطاب في قولهم : { وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء فِي الأرض وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } ووجه ذلك أنهم أسندوا المجيء والصرف عن طريق آبائهم إلى موسى ، لكونه المقصود بالرسالة المبلغ عن الله ما شرعه لهم ، وجمعوا بينهما في الضميرين الآخرين ؛ لأن الكبرياء شامل لهما في زعمهم ، ولكون ترك الإيمان بموسى يستلزم ترك الإيمان بهارون ، وقد مرّت القصة في الأعراف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.