تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّي وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبٗا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّٗا} (4)

{ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ْ }أي : وهى وضعف ، وإذا ضعف العظم ، الذي هو عماد البدن ، ضعف غيره ، { وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ْ } لأن الشيب دليل الضعف والكبر ، ورسول الموت ورائده ، ونذيره ، فتوسل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه ، وهذا من أحب الوسائل إلى الله ، لأنه يدل على التبري من الحول والقوة ، وتعلق القلب بحول الله وقوته .

{ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ْ } أي : لم تكن يا رب تردني خائبا ولا محروما من الإجابة ، بل لم تزل بي حفيا ولدعائي مجيبا ، ولم تزل ألطافك تتوالى علي ، وإحسانك واصلا إلي ، وهذا توسل إلى الله بإنعامه عليه ، وإجابة دعواته السابقة ، فسأل الذي أحسن سابقا ، أن يتمم إحسانه لاحقا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّي وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبٗا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّٗا} (4)

وقوله : قالَ رَبّ إنّي وَهَنَ العَظْمُ مِنّي يقول تعالى ذكره ، فكان نداؤه الخفيّ الذي نادى به ربه أن قال : رَبّ إنّي وَهَنَ العَظْمُ مِنّي يعني بقوله وَهَنَ ضعف ورقّ من الكبر ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قالَ رَبّ إنّي وَهَنَ العَظْمُ مِنّي أي ضعف العظم مني .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَهَنَ العَظْمُ مِنّي قال : نَحَل العظم . قال عبد الرزاق ، قال : الثوريّ : وبلغني أن زكريا كان ابن سبعين سنة .

وقد اختلف أهل العربية في وجه النصب في الشّيْب ، فقال بعض نحويّي البصرة : نصب على المصدر من معنى الكلام ، كأنه حين قال : اشتعل ، قال : شاب ، فقال : شَيْبا على المصدر . قال : وليس هو في معنى : تفقأت شحما وامتلأت ماء ، لأن ذلك ليس بمصدر . وقال غيره : نصب الشيب على التفسير ، لأنه يقال : اشتعل شيبُ رأسي ، واشتعل رأسي شيبا ، كما يقال : تفقّأت شحما ، وتفقّأ شحمي .

وقوله : ولَمْ أكُنْ بِدُعائِكَ رَبّ شَقِيّا يقول : ولم أشق يا ربّ بدعائك ، لأنك لم تخيب دعائي قبل إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك ، بل كنت تجيب وتقضي حاجتي قبلك . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ابن جريج ، قوله : ولَمْ أكُنْ بدُعائِكَ رَبّ شَقِيّا يقول : قد كنت تعرّفني الإجابة فيما مضى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّي وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبٗا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّٗا} (4)

و { وهن } معناه ضعف ، والوهن في الشخص أو الأمر الضعف وقرأ الأعمش » وهِن «بكسر الهاء { واشتعل } مستعارة للشيب من اشتعال النار على التشبيه به .

و { شيباً } نصب على المصدر في قول من رأى { اشتعل } بمعنى شاب ، وعلى التمييز في قول من لا يرى ذلك بل رآه فعلاً آخر ، فالأمر عنده كقولهم : تفقأت شحماً وامتلأت غيظاً . وقوله { ولم أكن بدعائك رب شقياً } شكر لله تعالى على سالف أياديه عنده معناه أي قد أحسنت إلي فيما سلف وسعدت بدعائي إياك فالإنعام يقتضي أن يشفع آخره أوله .