قوله : { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي } الآية .
قوله : { قَالَ رَبِّ } : لا محلَّ لهذه الجملةِ ؛ لأنها تفسير لقوله { نَادَى ربَّهُ } وبيانٌ ، ولذلك ترك العاطف بينهما ؛ لشدَّة الوصل .
قوله : { وهَنَ } العامَّةُ على فتحِ الهاء ، وقرأ{[21389]} الأعمشُ بكسرها ، وقُرئ بضمِّها ، وهذه لغاتٌ في هذه اللفظة ، ووحَّد العظم لإرادة الجنس ؛ يعني : أنَّ هذا الجنسَ الذي هو عمودُ البدنِ ، وأشدُّ ما فيه ، وأصلبه ، قد أصابه الوهنُ ، ولو جمع ، لكان قصداً آخر : وهو أنه لم يهن منه بعضُ عظامه ، ولكن كلُّها ، قاله الزمخشريُّ ، وقيل : أطلقَ المفردُ ، والمرادُ به الجمعُ ؛ كقوله : [ الطويل ]
بِهَا جِيفَ الحَسْرَى فأمَّا عِظَامُهَا *** فبِيضٌ وأمَّا جِلْدُها فصليبُ{[21390]}
أي : جلودُها ، ومثله : [ الوافر ]
كُلُوا في بعضِ بَطْنكمُ تَعِفُّوا *** فإنَّ زمانَكُم زمنٌ خَمِيصُ{[21391]}
و " مِنِّي " حالٌ من " العَظْم " وفيه ردٌّ على من يقول : إنَّ الألف واللام تكونُ عوضاً من الضمير المضافِ إليه ؛ لأنه قد جمع بينهما هنا ، وإن كان الأصل : وهن عظمي ، ومثله في الدَّلالةِ على ذلك ما " أنشد شاهداً على ما ذكرتُ : [ الطويل ]
رَحِيبٌ قِطَابُ الجَيْبِ مِنْهَا رفيقةٌ *** بجَسِّ النَّدامَى بضَّةُ المُتَجَرِّدِ{[21392]}
ومعنى { وَهَنَ العظم مِنِّي } : ضعف ، ورقَّ العظم من الكبر .
قال قتادة{[21393]} : اشتكى سُقُوط الأضراس .
قوله : { واشتعل الرأس شَيْباً } أي : ابْيَضَّ شعر الرَّأس شيباً .
وفي نصب " شَيْباً " ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها -وهو المشهور- : أنه تمييزٌ منقولٌ من الفاعلية ؛ إذ الأصل : اشتعل شيبُ الرَّأسِ ، قال الزمخشريُّ : " شبَّه الشَّيب بشُواظِ النَّار في بياضهِ ، وانتشاره في الشَّعْر ، وفُشُوِّه فيه ، وأخذه منه كُلُّ مأخذٍ باشتعالِ النَّار ، ثم أخرجه مخرج الاستعارةِ ، ثم أسند الاشتعال إلى مكانِ الشِّعْر ، ومنبته ، وهو الرَّأسُ ، وأخرج الشَّيب مُمَيَّزاً ، ولم يُضفِ الرأس ؛ اكتفاء بعلم المخاطب : أنه رأس زكريا ، فمن ثم ، فصُحَتْ هذه الجملة ، وشُهد لها بالبلاغة " انتهى ، وهذا من استعارة محسوس لمحسوس ، ووجه الجمع : الانبساط والانتشار .
والثاني : أنه مصدرٌ على غيرِ الصَّدْرِ ، فإنَّ " اشْتَعَلَ الرَّأسُ " معناه " شَابَ " .
الثالث : أنه مصدرٌ واقعٌ موقع الحالِ ، شاَئِباً ، أو ذا شيب .
وأدغم السِّين في الشِّين أبو عمرٍ .
وقوله : { بِدُعائِكَ } فيه وجهان :
أحدهما : أنَّ المصدر مضافٌ لمفعوله ، أي : بُدعائي إيَّاك .
والمعنى : عوَّدتني الإجابة فيما مضى ، ولم تُخَيِّبْنِي .
والثاني : أنه مضافٌ لفاعله ، أي : لم أكن بدعائك لي إلى الإيمان شقيَّا ، أي : لما دعوتني إلى الإيمان ، آمنتُ ، ولم أشق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.