{ قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ العظم مِنّي } هذه الجملة مفسرة لقوله : { نادى ربه } يقال : وهن يهن وهنا إذا ضعف فهو واهن ، وقرئ بالحركات الثلاث . أراد أن عظامه فترت وضعفت قوّته ، وذكر العظم ، لأنه عمود البدن ، وبه قوامه ، وهو أصل [ بنائه ] ، فإذا وهن تداعى وتساقطت قوّته ، ولأن أشدّ ما في الإنسان صلبه ، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ، ووحد العظم قصداً إلى الجنس المفيد لشمول الوهن لكل فرد من أفراد العظام { واشتعل الرأس شَيْباً } قرأ أبو عمرو بإدغام السين في الشين ، والباقون بعدمه ، والاشتعال في الأصل : انتشار شعاع النار ، فشبه به انتشار بياض شعر الرأس في سواده بجامع البياض والإنارة ، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بالكناية ، بأن حذف المشبه به وأداة التشبيه ، وهذه الاستعارة من أبدع الاستعارات وأحسنها . قال الزجاج : يقال للشيب إذا كثر جدّاً : قد اشتعل رأس فلان ، وأنشد للبيد :
فإن ترى رأسي أمسى واضحا *** سلط الشيب عليه فاشتعل
وانتصاب { شيباً } على التمييز ، قاله الزجاج . وقال الأخفش : انتصابه على المصدر ، لأن معنى اشتعل : شاب . قال النحاس : قول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل ، والمصدرية أظهر فيما كان كذلك ، وكان الأصل اشتعل شيب رأسي ، فأسند الاشتعال إلى الرأس لإفادة الشمول { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً } أي لم أكن بدعائي إياك خائباً في وقت من الأوقات ، بل كلما دعوتك استجبت لي .
قال العلماء : يستحب للمرء أن يجمع في دعائه بين الخضوع ، وذكر نعم الله عليه كما فعل زكريا ها هنا ، فإن في قوله : { وَهَنَ العظم مِنّي واشتعل الرأس شَيْباً } غاية الخضوع والتذلل وإظهار الضعف والقصور عن نيل مطالبه ، وبلوغ مآربه ، وفي قوله : { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً } ذكر ما عوّده الله من الإنعام عليه بإجابة أدعيته ، يقال شقي بكذا ، أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.