{ قال ربي إني وهن العظم مني } هذه الجملة مفسرة لقوله نادى ربه .
فالنداء أوله قوله هذا وآخره قوله الآتي { واجعله ربي رضيا } فجملة النداء ثمان جمل والدعاء منه هو قوله { فهب لي من لدنك وليا } كما سيأتي ، والوهن الضعف ، يقال وهن يهن وهنا ، من باب وعد إذا ضعف فهو واهن في الأمر والعمل والبدن ، ووهنته أضعفته ، يتعدى ؛ ولا يتعدى في لغة فهو موهون البدن والعظم ، والأجود أنه يتعدى بالهمزة ، فيقال أوهنته ، والوهن بفتحتين لغة في المصدر ، ووهن يهن بالكسر فيهما لغة ، وقرئ بالحركات الثلاث ، أراد أن عظامه فترت ورقت ؛ وعفت قوته من الكبر .
وذكر العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه ، وهو أصل بنائه فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ، ولأنه أشد ما في الإنسان وأصلبه ، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن . ووحد العظم قصدا إلى الجنس المفيد لشمول الوهن لكل فرد من أفراد العظام ، وقيل اشتكى سقوط الأضراس .
{ واشتعل الرأس شيبا } الاشتعال في الأصل انتشار شعاع النار ، فشبه به انتشار بياض شعر الرأس في سواده بجامع البياض والإنارة ، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بالكناية بأن حذف المشبه به ، وأداة التشبيه ، وهذه الاستعارة من أبدع الاستعارات وأحسنها . قال الزجاج : يقال للشيب إذا كثر جدا . قد اشتعل رأس فلان .
{ ولم أكن بدعائك } أي بدعائي إياك { رب شقيا } يقال شقي بكذا أي تعب فيه ، ولم يحصل مقصوده منه ، فالمعنى لم أكن خائفا في وقت من الأوقات ، بل كلما دعوتك استجبت لي ، وهذا توسل بما سلف له من الاستجابة ، وتنبيه على أن المطلوب- وإن لم يكن معتادا- فإجابته لدعائه معتادة ، وقد عوده سبحانه بالإجابة وأطعمه ، ومن حق الكريم أن لا يخيب من أطعمه .
قال العلماء : يستحب للمرء أن يجمع في دعائه بين الخضوع . وذكر نعم الله عليه . كما فعل زكريا هاهنا . فإن قوله الماضي غاية الخضوع والتذلل وإظهار الضعف والقصور عن سرد مطالبه وبلوغ مآربه ، وفي هذا ذكر ما عوده الله والإنعام عليه بإجابة أدعيته ، والتعرض في الموضعين لوصف الربوبية لتحريك سلسلة الإجابة بالمبالغة في التضرع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.