تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

{ 93 } { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ }

أي : أنزلهم الله وأسكنهم في مساكن آل فرعون ، وأورثهم أرضهم وديارهم .

{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } من المطاعم والمشارب وغيرهما { فَمَا اخْتَلَفُوا } في الحق { حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ } الموجب لاجتماعهم وائتلافهم ، ولكن بغى بعضهم على بعض ، وصار لكثير منهم أهوية وأغراض تخالف الحق ، فحصل بينهم من الاختلاف شيء كثير .

{ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } بحكمة العدل الناشئ عن علمه التام ، وقدرته الشاملة ، وهذا هو الداء ، الذي يعرض لأهل الدين الصحيح .

وهو : أن الشيطان إذا أعجزوه أن يطيعوه في ترك الدين بالكلية ، سعى في التحريش بينهم ، وإلقاء العداوة والبغضاء ، فحصل من الاختلاف ما هو موجب ذلك ، ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض ، وعداوة بعضهم لبعض ، ما هو قرة عين اللعين .

وإلا فإذا كان ربهم واحدًا ، ورسولهم واحدًا ، ودينهم واحدًا ، ومصالحهم العامة متفقة ، فلأي شيء يختلفون اختلافًا يفرق شملهم ، ويشتت أمرهم ، ويحل رابطتهم ونظامهم ، فيفوت من مصالحهم الدينية والدنيوية ما يفوت ، ويموت من دينهم ، بسبب ذلك ما يموت ؟ .

فنسألك اللهم ، لطفًا بعبادك المؤمنين ، يجمع شملهم ويرأب صدعهم ، ويرد قاصيهم على دانيهم ، يا ذا الجلال والإكرام .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلَقَدْ بَوّأْنَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ مُبَوّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتّىَ جَآءَهُمُ الْعِلْمُ إِنّ رَبّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد أنزلنا بني إسرائيل منازل صدق . قيل : عنى بذلك الشأم وبيت المقدس .

وقيل : عنى به الشام ومصر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك : مُبَوّأ صِدْقٍ قال : منازل صدق : مصر والشام .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : مُبَوّأ صِدْقٍ قال : بوأهم الله الشام وبيت المقدس .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وَلَقَدْ بَوّأنا بني إسْرَائِيلَ مُبَوّأ صِدْقٍ الشام . وقرأ : إلى الأرْض التي بارَكْنا فِيها للعَالَمِينَ .

وقوله : وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطّيّباتِ يقول : ورزقنا بني إسرائيل من حلال الرزق وهو الطيب .

وقوله : فَمَا اخْتَلَفُوا حتى جاءَهُمُ العِلْمُ يقول جلّ ثناؤه : فما اختلف هؤلاء الذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني إسرائيل ، حتى جاءهم ما كانوا به عالمين وذلك أنهم كانوا قبل أن يبعث محمد النبيّ صلى الله عليه وسلم مجمعين على نبوّة محمد والإقرار به وبمبعثه غير مختلفين فيه بالنعت الذي كانوا يجدونه مكتوبا عندهم ، فلما جاءهم ما عرفوا كفر به بعضهم وآمن به بعضهم ، والمؤمنون به منهم كانوا عددا قليلاً ، فذلك قوله : فما اختلفوا حتى جاءهم المعلوم الذي كانوا يعلمونه نبيّا لله ، فوضع العلم مكان المعلوم .

وكان بعضهم يتأوّل العلم ههنا كتاب الله ووحيه . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَمَا اخْتَلَفُوا حتى جاءَهُمُ العِلُمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ قال : العلم : كتاب الله الذي أنزله وأمره الذي أمرهم به ، وهل اختلفوا حتى جاءهم العلم بغيا بينهم أهل هذه الأهواء ، هل اقتتلوا إلا على البغي ؟ قال : والبغي وجهان : وجه النفاسة في الدنيا ومن اقتتل عليها من أهلها ، وبغى في العلم يرى هذا جاهلاً مخطئا ويرى نفسه مصيبا عالما ، فيبغي بإصابته وعلمه على هذا المخطىء .

وقوله : إنّ رَبّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن ربك يا محمد يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل فيك يوم القيامة فيما كانوا فيه من أمري في الدنيا يختلفون ، بأن يدخل المكذّبين بك منهم النار والمؤمنين بك منهم الجنة . فذلك قضاؤه يومئذ فيما كانوا يختلفون من أمر محمد صلى الله عليه وسلم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ بَوَّأۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مُبَوَّأَ صِدۡقٖ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ فَمَا ٱخۡتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (93)

{ ولقد بوّأنا } أنزلنا . { بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ } منزلا صالحا مرضيا وهو الشأم ومصر . { ورزقناهم من الطيبات } من اللذائذ . { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعد ما قرأوا التوراة وعلموا أحكامها ، أو في أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته . { إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } فيميز المحق من المبطل بالإنجاء والإهلاك .