تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (53)

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (53)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ }

يعني بقوله : وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ واذكروا أيضا إذ آتينا موسى الكتاب والفرقان . ويعني بالكتاب : التوراة ، وبالفرقان : الفصل بين الحقّ والباطل . كما :

حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ والفُرْقانَ قال : فرق به بين الحقّ والباطل .

حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ وَالفُرْقانَ قال : الكتاب : هو الفرقان ، فرقان بين الحق والباطل .

حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

وحدثني القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ وَالفُرْقان قال : الكتاب : هو الفرقان ، فرق بين الحقّ والباطل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : وقال ابن عباس : الفرقان : جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان .

وقال ابن زيد في ذلك بما :

حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألته ، يعني ابن زيد ، عن قول الله عز وجل : وَإذْ آتَيْنَا مُوسى الكتابَ والفُرْقانَ فقال : أما الفرقان الذي قال الله جل وعز : يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ فذلك يوم بدر ، يوم فرق الله بين الحق والباطل ، والقضاءُ الذي فرق به بين الحق والباطل . قال : فكذلك أعطى الله موسى الفرقان ، فرق الله بينهم ، وسلمه الله وأنجاه ، فرق بينهم بالنصر ، فكما جعل الله ذلك بين محمد والمشركين ، فكذلك جعله بين موسى وفرعون .

قال أبو جعفر : وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية ما رُوي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد ، من أن الفرقان الذي ذكر الله أنه آتاه موسى في هذا الموضع هو الكتاب الذي فرق به بين الحقّ والباطل ، وهو نعت للتوراة وصفة لها . فيكون تأويل الآية حينئذ : وإذ آتينا موسى التوراة التي كتبناها له في الألواح ، وفرقنا بها بين الحقّ والباطل . فيكون الكتاب نعتا للتوراة أقيم مقامها استغناءً به عن ذكر التوراة ، ثم عطف عليه بالفرقان ، إذ كان من نعتها . وقد بينا معنى الكتاب فيما مضى من كتابنا هذا ، وأنه بمعنى المكتوب . وإنما قلنا هذا التأويل أولى بالآية وإن كان محتملاً غيره من التأويل ، لأن الذي قبله ذكر الكتاب ، وأن معنى الفرقان الفصل ، وقد دللنا على ذلك فيما مضى من كتابنا هذا ، فإلحاقه إذ كان كذلك بصفة ما وليه أَوْلى من إلحاقه بصفة ما بعد منه .

وأما تأويل قوله : لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ فنظير تأويل قوله تعالى : لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ ومعناه لتهتدوا . وكأنه قال : واذكروا أيضا إذ آتينا موسى التوراة التي تفرق بين الحقّ والباطل لتهتدوا بها وتتبعوا الحقّ الذي فيها لأني جعلتها كذلك هدى لمن اهتدى بها واتبع ما فيها .