تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

{ 9-17 } { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ }

لما ذكر تبارك وتعالى حال المكذبين لرسوله ، وأن الآيات لا تنفع فيهم ، ولا تجدي عليهم شيئا ، أنذرهم وخوفهم بعقوبات الأمم الماضية المكذبة للرسل ، وكيف أهلكهم الله وأحل بهم عقابه .

فذكر قوم نوح ، أول رسول بعثه الله إلى قوم يعبدون الأصنام ، فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، فامتنعوا من ترك الشرك وقالوا : { لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا }

ولم يزل نوح يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا ، فلم يزدهم ذلك إلا عنادا وطغيانا ، وقدحا في نبيهم ، ولهذا قال هنا : { فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ } لزعمهم أن ما هم عليه وآباؤهم من الشرك والضلال هو الذي يدل عليه العقل ، وأن ما جاء به نوح عليه الصلاة والسلام جهل وضلال ، لا يصدر إلا من المجانين ، وكذبوا في ذلك ، وقلبوا الحقائق الثابتة شرعا وعقلا ، فإن ما جاء به هو الحق الثابت ، الذي يرشد العقول النيرة المستقيمة ، إلى الهدى والنور والرشد ، وما هم عليه جهل وضلال مبين ، [ وقوله : ] { وَازْدُجِرَ } أي : زجره قومه وعنفوه عندما دعاهم إلى الله تعالى ، فلم يكفهم -قبحهم الله- عدم الإيمان به ، ولا تكذيبهم إياه ، حتى أوصلوا إليه من أذيتهم ما قدروا عليه ، وهكذا جميع أعداء الرسل ، هذه حالهم مع أنبيائهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبّهُ أَنّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ } .

وهذا وعيد من الله تعالى ذكره ، وتهديد للمشركين من أهل مكة وسائر من أرْسَلَ إليه رسولَه محمدا صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم إياه ، وتقدم منه إليهم إن هم لم ينيبوا من تكذيبهم إياه ، أنه محلّ بهم ما أحل بالأمم الذين قصّ قصصهم في هذه السورة من الهلاك والعذاب ، ومنجّ نبيه محمدا والمؤمنين به ، كما نجّى من قبله الرسل وأتباعهم من نقمه التي أحلّها بأممهم ، فقال جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : كذّبت يا محمد قبل هؤلاء الذين كذّبوك من قومك ، الذين إذا رأوْا آية أعرضوا وقالوا سحر مستمرّ ، قوم نوح ، فكذبوا عبدنا نوحا إذ أرسلناه إليهم ، كما كذّبتك قريش إذ أتيتهم بالحقّ من عندنا وقالوا : هو مجنون وازدجر ، وهو افْتُعِل من زجرت ، وكذا تفعل العرب بالحرف إذا كان أوّله زايا صيروا تاء الافتعال منه دالاً من ذلك قولهم : ازدجر من زجرت ، وازدلف من زلفت ، وازديد من زدت .

واختلف أهل التأويل في المعنيّ الذي زَجَروه ، فقال بعضهم : كان زجرهم إياه أن قالوا : استُطِير جنونا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ قال : استطير جنونا .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَازْدَجِرْ قال : استُطير جنونا .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد في هذه الاَية وَقالُوا مَجْنُونٍ وَازْدُجِرَ قال : استعر جنونا .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : وأخبرني شعبة بن الحجاج ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : بل كان زجرهم إياه ، وعيدهم له بالشتم والرجم بالقول القبيح . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ قال : اتهموه وزجروه وأوعدوه لئن لم يفعل ليكوننّ من المرجومين ، وقرأ لَئِنْ لَم تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنّ مِنَ المَرْجُومِينَ .