تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (26)

26 وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .

يقول تعالى ممتنا على عباده في نصرهم بعد الذلة ، وتكثيرهم بعد القلة ، وإغنائهم بعد العيلة .

وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ أي : مقهورون تحت حكم غيركم تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ أي : يأخذونكم .

فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فجعل لكم بلدا تأوون إليه ، وانتصر من أعدائكم على أيديكم ، وغنمتم من أموالهم ما كنتم به أغنياء .

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اللّه على منته العظيمة وإحسانه التام ، بأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرُوَاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } . .

وهذا تذكير من الله عزّ وجلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناصحة . يقول : أطيعوا الله ورسوله أيها المؤمنون ، واستجيبوا له إذا دعاكم لما يحييكم ولا تخالفوا أمره ، وإن أمركم بما فيه عليكم المشقة والشدّة ، فإن الله يهوّنه عليكم بطاعتكم إياه ويعجل لكم منه ما تحبون ، كما فعل بكم إذ آمنتم به واتبعتموه وأنتم قليل يستضعفكم الكفار فيفتنونكم عن دينكم وينالونكم بالمكروه في أنفسكم وأعراضكم تخافون منهم أن يتخطفوكم فيقتلوكم ويصطلموا جميعكم فآوَاكُمْ يقول : فجعل لكم مأوى تأوون إليه منهم . وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ يقول : وقوّاكم بنصره عليهم ، حتى قتلتم منهم من قتلتم ببدر . وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّباتِ يقول : وأطعمكم غنيمتهم حلالاً طيبا . لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول : لكي تشكروا على ما رزقكم وأنعم به عليكم من ذلك وغيره من نعمه عندكم .

واختلف أهل التأويل في الناس الذين عنوا بقوله : أنْ يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فقال بعضهم : كفار قريش . ذكر من قال ذلك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : وَاذكُرُوا إذ أنْتُمْ قَليلٌ مُسْتَضعَفُونَ فِي الأرضِ تَخافُونَ أن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ قال : يعني بمكة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من قريش وحلفائها ومواليها قبل الهجرة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي أو قتادة أو كليهما : وَاذكُرُوا إذْ أنْتُمْ قَليلٌ مُسْتَضْعَفُونَ أنها نزلت في يوم بدر ، كانوا يومئذٍ يخافون أن يتخطفهم الناس ، فآواهم الله وأيدهم بنصره .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه .

وقال آخرون : بل عُني به غيرُ قريش . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرني أبي ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول في قوله عزّ وجلّ : تَخافُونَ أنْ يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ قال : فارس .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد ، أنه سمع وهب بن منبه يقول ، وقرأ : وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخافُونَ أنْ يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ والناس إذ ذاك : فارس ، والروم .

قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ قال : كان هذا الحيّ من العرب أذلّ الناس ذلاّ ، وأشقاه عيشا ، وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا ، وأبينه ضلالاً من عاش منهم عاش شقيّا ، ومن مات منهم ردّي في الناس ، يؤكلون ولا يأكلون ، والله ما نعلم قبيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرّ منهم منزلاً . حتى جاء الله بالإسلام ، فمكّن به في البلاد ، ووسّع به في الرزق ، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس ، فبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يحبّ الشكر وأهل الشكر في مزيد من الله تبارك وتعالى .

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : عُني بذلك مشركو قريش لأن المسلمين لم يكونوا يخافون على أنفسهم قبل الهجرة من غيرهم ، لأنهم كانوا أدنى الكفار منهم إليهم ، وأشدّهم عليهم يومئذٍ مع كثرة عددهم وقلة عدد المسلمين .

وأما قوله : فَآوَاكُمْ فإنه يعني : آواكم المدينة ، وكذلك قوله : وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ بالأنصار .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَآوَاكُمْ قال : إلى الأنصار بالمدينة . وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وهؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أيدهم بنصره يوم بدر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : فَآوَاكُمْ وأيّدَكُمْ بِنَصْرهِ ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطيّباتِ يعني بالمدينة .