البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (26)

{ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفكم الناس فآواكم وأيّدكم بِنصره ورزقكم من الطيبات لعلّكم تشكرون } نزلت عقب بدر ، فقيل خطاب للمهاجرين خاصة كانوا بمكة قليلي العدد مقهورين فيها يخافون أن يسلبهم المشركون ، قال ابن عباس فآتوا هم بالمدينة وأيدهم بالنصر يوم بدر و { الطيبات } الغنائم وما فتح به عليهم ، وقيل الخطاب للرسول والصحابة وهي حالهم يوم بدر و { الطيبات } الغنائم والناس عسكر مكة وسائر القبائل المجاورة والتأييد هو الإمداد بالملائكة والتغلب على العدد ، وقال وهب وقتادة الخطاب للعرب قاطبة فإنها كانت أعرى الناس أجساماً وأجوعهم بطوناً وأقلّهم حالاً حسنة والناس فارس والروم والمأوى النبوة والشريعة والتأييد بالنصر فتح البلاد وغلبة الملوك و { الطيبات } تعم المآكل والمشارب والملابس ، قال ابن عطية : هذا التأويل يردّه أن العرب كانت في وقت نزول هذه الآية كافرة إلا القليل ولم تترتب الأحوال التي ذكر هذا المتأول وإنما كان يمكن أن يخاطب العرب بهذه الآية في آخر زمان عمر رضي الله عنه فإن تمثّل أحد بهذه الآية بحال العرب فتمثيله صحيح وإما أن يكون حالة العرب هي سبب نزول الآية فبعيد لما ذكرناه انتهى ، وهذه الآية تعديل لنعمه تعالى عليهم ، قال الزمخشري : { إذ أنتم } نصب على أنه مفعول به لاذكروا ظرف أي { اذكروا } وقت كونكم أقِلّة أذِلّة انتهى ، وفيه التصرّف في { إذ } بنصبها مفعولة وهي من الظروف التي لا تتصرّف إلا بأن أضيف إليها الأزمان ، وقال ابن عطية : وإذ { ظرف } لمعمول و { اذكروا } تقديره واذكروا حالكم الكائنة أو الثابتة إذ أنتم قليل ولا يجوز أن تكون { إذ } ظرفاً لاذكر وإنما تعمل اذكر في إذ لو قدّرناها مفعوله انتهى ، وهو تخريج حسن .

وقال الحوفي { إذ أنتم } ظرف العامل فيه { اذكروا } انتهى ، وهذا لا يتأتى أصلاً لأنّ اذكر للمستقبل فلا يكون ظرفه إلا مستقبلاً وإذ ظرف ماضٍ يستحيل أن يقع فيه المستقبل و { لعلكم تشكرون } متعلق بقوله { فآواكم } وما بعده أي فعل هذا الإحسان لإرادة الشكر .