اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (26)

قوله تعالى : { واذكروا إذ أنتم قليل } الآية .

في " إذ " ثلاثة أوجه ، أوضحها : أنه ظرف ناصبه محذوف ، تقديره : واذكروا حالكم الثابتة في وقت قلتكم ، قاله ابن عطية .

والثاني : أنه مفعول به .

قال الزمخشري : " نصب على أنه مفعول به مذكور لا ظرف ، أي : اذكروا وقت كونكم أقلة أذلة " وفيه نظر ، لأن " إذ " لا يتصرف فيها إلا بما تقدم ذكره ، وليس هذا منه .

الثالث : أن يكون ظرفا ل " اذكروا " قاله الحوفي ، وهو فاسد ، لأن العامل مستقبل ، والظرف ماض فكيف يتلاقيان .

قوله " تخافون " فيه ثلاثة أوجه :

أظهرها : أنه خبر ثالث .

والثاني : أنه صفة ل " قليل " وقد بدئ بالوصف بالمفرد ، ثم بالجملة .

الثالث : أن يكون حالا من الضمير المستتر في " مستضعفون " .

فصل

المعنى : واذكروا يا معشر المهاجرين : " إذ أنتم قليل " في العدد : " مستضعفون في الأرض " أي : أرض مكة في ابتداء الإسلام : " تخافون أن يتخطفكم الناس " تذهب بكم الناس يعني كفار مكة .

وقال عكرمة " كفار العرب لقربهم منهم وشدة عداوتهم لهم " {[14]} .

وقال وهب : " فارس والروم " {[15]} " فآواكم " إلى المدينة " وأيدكم بنصره " أي : قواكم يوم بدر بالأنصار . وقال الكلبي : " قواك يوم بدر بالملائكة " " ورزقكم من الطيبات " يعني الغنائم أحلها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم .

ثم قال : " لعلكم تشكرون " أي : نقلناكم من الشدة إلى الرخاء ، ومن البلاء إلى النعماء حتى تشتغلوا بالشكر والطاعة ، وتتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب الأنفال .


[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.