فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (26)

{ واذكروا إذا أنتم قليل مستضعفون في الأرض } الخطاب للنبي وللمهاجرين بتذكير نعمة الله عليهم بالحماية من أعدائهم حيث آواهم في المدينة ونصرهم ببدر وهذه الآية نزلت بعد بدر أي أذكروا وقت قلتكم ، والأرض هي أرض مكة وأطلقها في الآية لأنها لعظمها كأنها هي الأرض كلها أو لأن حالهم كان في بقية البلاد كحالهم فيها أو قريبا من ذلك ، ولهذا عبر عنهم بالناس في قوله .

{ تخافون أن يتخطفكم الناس } والخطف الأخذ بسرعة والمراد بالناس مشركوا قريش وكفار مكة ، وقال عكرمة : كفار العرب وقيل فارس والروم ، قاله وهب { فآواكم } يقال أوى إليه بالمد والقصر بمعنى الضم إليه ، والمعنى ضمكم الله إلى المدينة أو إلى الأنصار .

{ وأيدكم بنصره } أي وقواكم بالنصر في مواطن الحرب التي منها يوم بدر ، أو قواكم بالملائكة يوم بدر { ورزقكم من الطيبات } التي من جملتها الغنائم أحلها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم { لعلكم تشكرون } أي إرادة أن تشكروا هذه النعم التي أنعم الله بها عليكم .

وقال قتادة : كان هذا الحي من العرب أذل الناس وأشقاه عيشا وأجوعه بطنا وأعراه جلودا وأبينه ضلالة ، من عاش شقيا ، ومن مات منهم ردّي في النار يؤكلون ولا يأكلون ، لا والله ما نعلم قبيلا من حاضري الأرض يومئذ كان أشر منزلا منهم حتى جاء الله بالإسلام فمن به في البلاد ، ووسع به في الرزق وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس ، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا لله نعمه فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله عز وجل{[835]} .


[835]:- روى البخاري 5/94-216 عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".