محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (26)

ثم نبه تعالى عباده المؤمنين السابقين على نعمه عليهم ، وإحسانه إليهم ، حيث كانوا قليلين فكثرهم ومستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم ، ورزقهم من الطيبات ليشكروه بدوام الطاعة فقال سبحانه :

26 { واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فئاواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون } .

{ واذكروا } أي يا معشر المهاجرين { إذ أنتم قليل } أي في العدد { مستضعفون في الأرض } أي مقهورون في أرض مكة قبل الهجرة ، تستضعفكم قريش { تخافون أن يتخطفكم الناس } أي أهل مكة و ( تخطفه ) و ( اختطفه ) بمعنى استلبه وأخذه / بسرعة { فآواكم } أي إلى المدينة { وأيدكم بنصره }

يعني أعانكم وقواكم يوم بدر بنصره ، وذلك بمظاهرة الأنصار ، وإمداد الملائكة ، والتثبيت الرباني { ورزقكم من الطيبات } أي الغنائم لأنها لم تطب إلا لهم { لعلكم تشكرون } أي المولى على ما تفضل به وأولى . وما ذكرنا من كون الخطاب في الآية للمهاجرين خاصة ، هو أنسب بالمقام والسياق والسياق يشعر به . وقيل : الخطاب للعرب كافة ، وعليه قول قتادة بن دعامة السدوسيّ رحمه الله في هذه الآية : " كان هذا الحي من العرب أذل الناس وأشقاه عيشا ، وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا وأثبته ضلالا . والله ! ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلا منهم ، حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس . وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر وأهل الشكر في مزيد من الله " . انتهى .

وأقول : الأمر في العرب ، وإن كان كما ذكر ، لكن في تنزيل بعض ألفاظ الآية عليه تكلف لا يخفى فالظاهر ما ذكرنا .