تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (26)

وقوله تعالى : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ ) الآية ، عن أهل الإسلام في ابتداء الأمر كانوا قليلي العدد مستضعفين عند الكفرة حتى كانوا يخافون أن يسلب الكفرة أزواجهم ، وكانوا لا يأمنون على أنفسهم بالمقام في البلدان لقلة عددهم وضعفهم خوفا على أنفسهم وإشفاقا ، فتركوا المقام بالبلدان ، وخرجوا إلى الجبال والغيران ، فأقاموا فيها ، وأكلوا الحشيش والكلأ طعام الأنعام خوفا على أبدانهم وإشفاقا على دينهم .

ثم إن الله عز وجل ، آواهم ، وأنزلهم في البلدان والأمصار ، وأيدهم ، ونصرهم على عدوهم ، ورزقهم الطيبات طعام البشر بعد ما أكلوا الحشيش طعام البهائم[ من م ، في الأصل : البشر ] ( لعلكم تشكرون ) ليلزمهم الشكر على ذلك . ولا يجوز لهم ألا يشكروا بعد ما أصابوا . ذكر هذا ، والله أعلم بنا ، لنكون نحن من الإشفاق في الدين مثل أولئك حين هربوا منهم ، واتخذوا الجبال والغيران بيوتا والحشيش طعاما ، وتركوا أموالهم ونعمهم ، ورضوا بذلك إشفاقا على دينهم .

وقال عامة أهل التأويل : نزلت الآية في أهل بدر ، وكانوا قليلي[ في الأصل وم : قليل ] العدد والعدة ضعيفي[ في الأصل وم : ضعيف ] الأبدان ، والعدو كثير العدد وقوي الأبدان ، فاشتد عليهم الخروج لذلك كقوله تعالى : ( كما أخرجك ربك من بيتك ) الآية[ الأنفال : 5 ] فكيف ما كان ففيه ما ذكرنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون ) أي إذ كنتم قليلا . وفيه دلالة لقول أبي حنيفة ، رحمه الله ، في من قال : هذا الشيء لفلان ، اشتريه منه ، صدق ، ويصير كأنه قال : هذا الشيء كان لفلان [ اشتريه ][ من م ، ساقطة في الأصل ] منه ؛ دليله قوله تعالى : ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون ) أي إذ كنتم قليلا ، وقوله تعالى : ( وأيدكم بنصره ) على هذا التأويل بالملائكة ( ورزقكم من الطيبات ) المغانم التي رزقهم ، وأحل لهم .