{ 111 } { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
يخبر تعالى خبرا صدقا ، ويعد وعدا حقا بمبايعة عظيمة ، ومعاوضة جسيمة ، وهو أنه { اشْتَرَى ْ } بنفسه الكريمة { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ْ } فهي المثمن والسلعة المبيعة .
{ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ْ } التي فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين من أنواع اللذات والأفراح ، والمسرات ، والحور الحسان ، والمنازل الأنيقات .
وصفة العقد والمبايعة ، بأن يبذلوا للّه نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه ، لإعلاء كلمته وإظهار دينه ف { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ْ } فهذا العقد والمبايعة ، قد صدرت من اللّه مؤكدة بأنواع التأكيدات .
{ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ْ } التي هي أشرف الكتب التي طرقت العالم ، وأعلاها ، وأكملها ، وجاء بها أكمل الرسل أولو العزم ، وكلها اتفقت على هذا الوعد الصادق .
{ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا ْ } أيها المؤمنون القائمون بما وعدكم اللّه ، { بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ْ } أي : لتفرحوا بذلك ، وليبشر بعضكم بعضا ، ويحث بعضكم بعضا .
{ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ْ } الذي لا فوز أكبر منه ، ولا أجل ، لأنه يتضمن السعادة الأبدية ، والنعيم المقيم ، والرضا من اللّه الذي هو أكبر من نعيم الجنات ، وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة ، فانظر إلى المشتري من هو ؟ وهو اللّه جل جلاله ، وإلى العوض ، وهو أكبر الأعواض وأجلها ، جنات النعيم ، وإلى الثمن المبذول فيها ، وهو النفس ، والمال ، الذي هو أحب الأشياء للإنسان .
وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع ، وهو أشرف الرسل ، وبأي كتاب رقم ، وهي كتب اللّه الكبار المنزلة على أفضل الخلق .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ اشْتَرَىَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنّ لَهُمُ الّجَنّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىَ بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
يقول تعالى ذكره : إن الله ابتاع من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة وعدا عليه حقّا ، يقول : وعدهم الجنة جلّ ثناؤه ، وعدا عليه حقّا أن يوفي لهم به في كتبه المنزّلة التوراة والإنجيل والقرآن ، إذا هم وفوا بما عاهدوا الله فقاتلوا في سبيله ونصرة دينه أعداءه فَقَتلوا وقُتلوا وَمَنْ أوْفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللّهِ يقول جلّ ثناؤه : ومن أحسن وفاء بما ضمن وشرط من الله . فاسْتَبْشِرُوا يقول ذلك للمؤمنين : فاستبشروا أيها المؤمنون الذين صدقوا الله فيما عاهدوا بِبَيْعِكُمْ أنفسكم وأموالكم بالذي بعتموها من ربكم ، فإن ذلك هو الفوز العظيم . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، قال : ما من مسلم إلا ولله في عنقه بيعة وفى بها أو مات عليها في قول الله : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ . . . إلى قوله : وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ ثم حَلاّهم فقال : التّائِبُونَ العابِدُونَ . . . إلى : وَبَشّرِ المُوءْمِنِينَ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وأمْوَالَهُمْ يعني بالجنة .
قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن محمد بن يسار ، عن قتادة أنه تلا هذه الآية : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وأمْوَالَهُمْ بأنّ لَهُمُ الجَنّةَ قال : ثَامَنَهُم الله فأغلى لهم الثمن .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني منصور بن هارون ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن أبي رجاء ، عن الحسن أنه تلا هذه الآية : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وأمْوَالَهُمْ قال : بايعهم فأغلى لهم الثمن .
حدثنا الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي وغيره ، قالوا : قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اشترط لربك ونفسك ما شئت قال : «أشْتَرِطُ لرَبي أنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا ، وأشْتَرِطُ لِنَفْسِي أنْ تَمْنَعُونِي ممّا تَمْنَعونَ مِنْهُ أنْفُسَكُمْ وأمْوَالَكُمْ » قالوا : فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا ؟ قال : «الجَنّة » قالوا : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ . . . الآية .
قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا عبيد بن طفيل العبسي ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، وسأله رجل عن قوله : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ . . . الآية ، قال الرجل : ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل ؟ قال : ويلك أين الشرط : التّائِبُونَ العابِدُونَ ؟ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.