الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (111)

وقيل المعنى : إلا أن يتوبوا عما فعلوا ، فيكونون بمنزلة من قطع قلبه{[30055]} .

قوله : { إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم } ، إلى قوله : { وبشر المومنين }[ 111 ، 112 ] .

قوله : { أنفسهم } : استغنى بأقل الجمع عن الكثير ، والمراد الكثير ، ولفظه لفظ القليل ، وقد قال تعالى : { وإذا النفوس زوجت }{[30056]} فهذا لفظه ومعناه سواء لأكثر العدد .

ومن قرأ : { فيقتلون ويُقتلون }[ 111 ] ، فبدأ بالمفعول{[30057]} .

قيل : الفاعل{[30058]} بمعناه فيُقتل بعضهم ، ويقتل بعضهم الباقي المشركين . والعرب تقول : نحن قتلناكم يوم كذا ، أي : قتلنا منكم{[30059]} .

قوله : { وعدا }[ 111 ] ، مصدر مؤكد ، و{ حقا } نعت له{[30060]} .

والمعنى : وعدهم الله الجنة وعدا حقا عليه{[30061]} .

قال ابن عباس : { إن الله اشترى من المومنين أنفسهم [ وأموالهم ]{[30062]} بأن لهم الجنة } قال : ثامنهم{[30063]} والله ، وأعلى لهم{[30064]} .

وروي أن عبد الله بن رواحة{[30065]} قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اشترط لربك ولنفسك ما شئت . فقال النبي عليه السلام : أشترط لربي : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي : أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم . فقالوا : فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا ؟ قال : الجنة . قالوا{[30066]} : ربح البيع ، لا نُقيل ولا نستقيل .

فنزلت : { إن الله اشترى من المومنين أنفسهم } الآية{[30067]} .


[30055]:هو قول الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 2/471، بتصرف في صياغته.
[30056]:التكوير: 7.
[30057]:بضم الياء في الأول على البناء للمجهول، وفتحها في الثاني على البناء للمعلوم، وهي قراءة: حمزة، والكسائي كتاب السبعة في القراءات 319، وإعراب القراءات السبع وعللها 1/265، وحجة القراءات 325.
[30058]:يقصد قراءة البدء بالفاعلين قبل المفعولين: {فيقتلون ويُقتلون} وبها قرأ: ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، المصادر نفسها السالفة في قراءة البدء بالمفعولين قبل الفاعلين.
[30059]:قال ابن خالويه في إعراب القراءات السبع 1/256: "فإن سأل سائل في قراءة من بدأ بالمفعولين فقال: إذا قتلوا كيف يقتلون؟ فالجواب في ذلك أن العرب تقول: قتل بنو تميم بني أسد، وإنما قتل بعضهم فقتل الباقون القاتلين" وفي تفسير القرطبي 8/170، "ومنه قول امرئ القيس: فإن تقتلونا نُقيلكم.... أي: إن تقتلوا بعضنا يقتلكم بعضنا. قال أبو علي [الفارسي]: القراءة الأولى بمعنى أنهم يُقتلون أو لا يُقتلون والأخرى يجوز أن تكون في المعنى كالأولى، لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم" زاد المسير 3/504، وينظر: المحرر الوجيز 2/87، والبحر المحيط 5/106.
[30060]:التبيان 2/661، والدر المصون 3/506، انظر: معاني القرآن للفراء 1/53. قال في مشكل إعراب القرآن: {وعدا عليه حقا} مصدران مؤكدان وهو في إعراب القرآن للنحاس 2/237، وتفسير القرطبي 8/170، باللفظ نفسه.
[30061]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/471، بتصرف يسير في الصياغة.
[30062]:ما بين الهلالين ساقط من المخطوطتين.
[30063]:قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه جامع البيان 14/499، "ثامنت الرجل في المبيع"، إذا قاولته في ثمنه وفاوضته، وساومته على بيعه وشرائه".
[30064]:الدر المنثور 4/295، وفيه: "وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إن الله اشترى...} ولم أقف عليه في جامع البيان، ولعله سقط من النسخ المطبوعة المتداولة".
[30065]:هو: عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء، شهد العقبة، وهو أحد الشعراء الذين كانوا يردون الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد يوم مؤتة، انظر: الاستيعاب 3/33، وما بعدها.
[30066]:في المخطوطتين قال: اربح: وفي الدر المنثور 4/294، "قال: ربح"، وأثبت ما في مصادر التوثيق أسفله.
[30067]:جامع البيان 14/499، وأسباب النزول للواحدي 266، وتفسير البغوي 4/98، وزاد المسير 3/503، 504، وتفسير ابن كثير 2/391، ولباب النقول 217.