لما شرح فضائح المنافقين وقبائحهم بسبب تخلفهم عن غزوة تبوك ، وذكر أقسامهم ، وفرّع على كل قسم منها ما هو لائق به ، عاد على بيان فضيلة الجهاد والترغيب فيه ، وذكر الشراء تمثيل ، كما في قوله : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } مثل سبحانه إثابة المجاهدين بالجنة على بذلهم أنفسهم وأموالهم في سبيل الله بالشراء ، وأصل الشراء بين العباد هو : إخراج الشيء عن الملك بشيء آخر مثله أو دونه ، أو أنفع منه ، فهؤلاء المجاهدون باعوا أنفسهم من الله بالجنة التي أعدها للمؤمنين ، أي : بأن يكونوا من جملة أهل الجنة ، وممن يسكنها فقد جادوا بأنفسهم ، وهي أنفس الأعلاق ، والجود بها غاية الجود :
يجود بالنفس أن ضنّ الجبان بها *** والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وجاد الله عليهم بالجنة ، وهي أعظم ما يطلبه العباد ، ويتوسلون إليه بالأعمال ؛ والمراد بالأنفس هن : أنفس المجاهدين ، وبالأموال : ما ينفقونه في الجهاد . قوله : { يقاتلون فِي سَبِيلِ الله } بيان للبيع الذي يقتضيه الاشتراء المذكور ، كأنه قيل : كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة ؟ فقيل : يقاتلون في سبيل الله ، ثم بيّن هذه المقاتلة في سبيل الله بقوله : { فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } والمراد أنهم : يقدمون على قتل الكفار في الحرب ، ويبذلون أنفسهم في ذلك ، فإن فعلوا فقد استحقوا الجنة ، وإن لم يقع القتل عليهم بعد الإبلاء في الجهاد ، والتعرّض للموت بالإقدام على الكفار . قرأ الأعمش ، والنخعي ، وحمزة ، والكسائي وخلف بتقديم المبنيّ للمفعول على المبنيّ للفاعل . وقرأ الباقون بتقديم المبني للفاعل على المبني للمفعول . وقوله : { وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا فِي التوراة والإنجيل والقرآن } إخبار من الله سبحانه أن فريضة الجهاد واستحقاق الجنة بها قد ثبت الوعد بها من الله في التوراة والإنجيل ، كما وقع في القرآن ، وانتصاب وعداً وحقاً على المصدرية أو الثاني : نعت للأوّل ، وفي التوراة متعلق بمحذوف : أي وعداً ثابتاً فيها .
قوله : { وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله } في هذا من تأكيد الترغيب للمجاهدين في الجهاد ، والتنشيط لهم على بذل الأنفس والأموال ، ما لا يخفى ، فإنه أوّلاً أخبر بأنه قد اشترى منهم أنفسهم ، وأموالهم ، بأن لهم الجنة ، وجاء بهذه العبارة الفخيمة ، وهي كون الجنة قد صارت ملكاً لهم ، ثم أخبر ثانياً بأنه قد وعد بذلك في كتبه المنزّلة ، ثم أخبر بأنه بعد هذا الوعد الصادق ، لا بدّ من حصول الموعود به ، فإنه لا أحد أوفى بعهده من الله سبحانه ، وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد ، ثم زادهم سروراً وحبوراً ، فقال : { فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ } أي : أظهروا السرور بذلك ، والبشارة هي إظهار السرور ، وظهوره يكون في بشرة الوجه ، ولذا يقال : أسارير الوجه : أي التي يظهر فيها السرور .
وقد تقدّم إيضاح هذا ، والفاء لترتيب الاستبشار على ما قبله . والمعنى : أظهروا السرور بهذا البيع الذي بايعتم به الله عزّ وجلّ ، فقد ربحتم فيه ربحاً لم يربحه أحد من الناس ، إلا من فعل مثل فعلكم ، والإشارة بقوله : { ذلك } إلى الجنة ، أو إلى نفس البيع الذي ربحوا فيه الجنة ، ووصف الفوز وهو الظفر بالمطلوب بالعظم ، يدل على أنه فوز لا فوز مثله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.