تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (111)

وقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ) يحتمل قوله ( اشترى ) أي استام ؛ لأن قوله : ( اشترى ) خبر ، ولكن يحتمل الاستيام ، أي استام أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم ليجعل لهم الله الجنة ثم بين ، فقال : ( يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) .

ويحتمل أن يكون قوله : ( اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) خبر عن قوم باعوا أنفسهم وأموالهم كقوله : ( ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله )[ البقرة : 207 ] وقوله ( الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله )الآية[ النساء : 74 ] فإذا صاروا بائعين أنفسهم كان الله مشتريها منهم .

ثم بين أن كيف يباع ؟ وكيف يشرى ؟ فقال : ( يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) أي يقتلون العدو ، ويقتلون أي يقتلهم العدو . وقد قرئ الأول بالرفع فيقتلون والثاني بنصب الياء [ ويقتلون ][ ساقطة من الأصل وم . انظر معجم القراءات القرآنية3/46 ] ، فهو لي على الجمع : أن يُقتلوا ، ويَقتلوا ، ولكن أن يقتلوا العدو ، وأي يقتلهم العدو . وأيهما كان ، أو يقاتلون ، وإن لم يقتلوا كقوله : ( ومن يقتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما )[ النساء : 74 ] وقوله[ في الأصل وم : قال ] ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) ( تؤمنون بالله ورسوله ويجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ) الآية[ الصف : 10و11 ] سمى الإيمان بالله والمجاهدة في سبيل الله تجارة .

ثم قال : ( بأن لهم الجنة ) بحق الوعد لهم فضلا منه لا يحق البذل .

ثم قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) ذكر شِرَى أنفسهم ، وأموالهم منهم ، وأنفسهم في الحقيقة لله ؛ [ له ][ ساقطة من الأصل وم ] أن يأخذ منهم أنفسهم وأموالهم ، وأن يتلفهم بأي وجه ما شاء ، لكنه عامل عبادة معاملة من لا ملك له في ذلك ، ولا حق ، كرما منه وجودا .

ووعد لهم على ذلك أجرا وبدلا . وكذلك ما ذكر من القرض له ، ووعد لهم على ذلك الأجر مضاعفا ، وكذلك ما وعد لهم من الثواب في ما يعملون لأنفسهم كالعاملين له حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( جزاء بما كانوا يعملون )[ الواقعة : 24 ] وقال : ( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا )[ الكهف : 30 ] ونحوه ؛ وإن كانوا في الحقيقة عاملين لأنفسهم بقوله : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم )الآية[ الإسراء : 7 ] .

ذكر ما ذكر فضلا منه وإكراما ؛ إذ هي له حق في الحقيقة ، وهو كما قال : ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم )[ الحج : 37 ] فإنما يطلب منهم بذل أنفسهم وأموالهم .

أو ذكر ، والله أعلم ، شرى ماله في الحقيقة ليعلم الخلق أن كيف يعامل الناس بعضهم [ بعضا ][ ساقطة من الأصل وم ] ، وكذلك قال الله ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا )[ البقرة : 245 ] عاملهم معاملة من لاحق له في أموالهم وأنفسهم ليعامل[ اللام ساقطة من الأصل وم ] الناس بعضهم بعضا في أموالهم وأنفسهم كمن لا حق له في ذلك .

وقوله تعالى : ( وعدا عليه حقا ) أي وعدا واجبا ( في التوراة و الإنجيل و القرآن ) أي وعد ذلك في التوراة والإنجيل والقرآن . وفي حرف ابن مسعود : عهدا عليه حقا في التوراة والإنجيل و القرآن .

وقوله تعالى : ( وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) هذه الآية تنقض قول من يقول بأن الإنجيل على التخفيف والتيسير ، والتوراة بالشدائد ، وكذلك قوله : ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة )[ الصف : 14 ] وذلك مذكور في حكم الإنجيل ، إلا أن يقال بأن قوله : ( وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل ) أي كان هذا مذكورا لهذه الأمة ، وما ذكر .

ثم قال : ( ومن أوفى بعهده من الله ) هذا على قوله ( اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) الآية إنما هو عهدا إليهم حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( ومن أوفى بعهده من الله ) أي لا أحد أوفى وأصدق بعهده من الله إن[ من من ، وفي الأصل : أي ] وفيتم أنتم بعهده الذي عهد إليكم[ في الأصل وم : عليكم ] ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ) يشبه أن يكون الاستبشار الذي ذكر وقت الموت أن يقول لهم الملائكة ( فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ) في الحياة . هذا يدل أن البيع يكون بيعا بالبدل ، وإن لم يتلفظ بلفظة البيع ، وقد ذكرنا في ما تقدم أن الأحكام لم تتعلق بالألفاظ والأسامي ، إنما علقت بمعاني فيها ؛ فإذا وجدت المعاني حكم بها ( وذلك هو الفوز العظيم ) [ الذي ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ذكر .