تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

{ ف } لهم { رَوْحٌ } أي : راحة وطمأنينة ، وسرور وبهجة ، ونعيم القلب والروح ، { وَرَيْحَانٌ } وهو اسم جامع لكل لذة بدنية ، من أنواع المآكل والمشارب وغيرهما ، وقيل : الريحان هو الطيب المعروف ، فيكون تعبيرا بنوع الشيء عن جنسه العام{[976]}

{ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } جامعة للأمرين كليهما ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة ، التي تكاد تطير منها الأرواح من الفرح والسرور .

كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أن لَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ }

وقد أول قوله{[977]}  تبارك تعالى : { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } أن هذه البشارة المذكورة ، هي البشرى في الحياة الدنيا .


[976]:- في ب: فيكون من باب التعبير بنوع الشيء عن جنسه.
[977]:- في ب: فسر.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك ، فى بيان مصير هذه الروح ، التى توشك أن تستدبر الحياة الفانية ، وتستقبل الحياة الباقية فتقول : { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } .

والروح : بمعنى الراحة والأمان والاطمئنان والريحان شجر طيب الرائحة .

أى : فأما إن كان صاحب هذه النفس التى فارقت الدنيا ، من المقربين إلينا السابقين بالخيرات . . . فله عندنا راحة لا تقاربها راحة ، وله رحمة واسعة ، وله طيب رائحة عند قبض روحه ، وعند نزوله فى قبره ، وعند وقوله بين أيدينا للحساب يوم الدين ، وله جنات ينعم فيها بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

والرَّوْح : بفتح الراء في قراءة الجمهور ، وهو الراحة ، أي فرَوْح له ، أي هو في راحة ونعيم ، وتقدم في قوله : { ولا تيأسوا من روح الله } في سورة يوسف ( 87 ) . وقرأه رويس عن يعقوب بضم الراء . ورويت هذه القراءة عن عائشة عن النبي عند أبي داود والترمذي والنسائي ، أي أن رسول الله روي عنه الوجهان ، فالمشهور روي متواتراً ، والآخر روي متواتراً وبالآحاد ، وكلاهما مراد .

ومعنى الآية على قراءة ضم الراء : أن روحه معها الريحان وهو الطيب وجنة النعيم . وقد ورد في حديث آخر : أن رُوح المؤمن تخرج طيبة . وقيل : أطلق الرُّوح بضم الراء على الرحمة لأن من كان في رحمة الله فهو الحيّ حقاً ، فهو ذو روح ، أما من كان في العذاب فحياته أقل من الموت ، قال تعالى : { لا يموت فيها ولا يحيى } [ الأعلى : 13 ] ، أي لأنه يتمنى الموت فلا يجده .

والريحان : شجر لورقة وقضبانه رائحة ذكية شديد الخضرة كانت الأمم تزين به مجالس الشراب . قال الحريري « وطوراً يستبزل الدنان ، ومرة يستنثق الريحان » وكانت ملوك العرب تتخذهُ ، قال النابغة :

يُحَيَّوْن بالريحان يوم السباسب

وتقدم عند قوله تعالى : { والحب ذو العصف والريحان } في سورة الرحمن ( 12 ) ، فتخصيصه بالذكر قبل ذكر الجنة التي تحتوي عليه إيماء إلى كرامتهم عند الله ، مثل قوله : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [ الرعد : 23 ، 24 ] .

وجملة { فروح وريحان } جواب ( أما ) التي هي بمعنى : مهما يكن شيء . وفُصل بين ( ما ) المتضمنة معنى اسم شرط وبين فعل شرط وبين الجواب بشرط آخر هو { إن كان من المقربين } لأن الاستعمال جرى على لزوم الفصل بين ( أمّا ) وجوابها بفاصل كراهية اتصال فاء الجواب بأداة الشرط لما التزموا حذف فعل الشرط فأقاموا مقامه فاصلاً كيفَ كان .