تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ْ } بأخذهم بأنواع العقوبات { وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ْ } بالشرك والكفر ، والعناد .

{ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ْ } وهكذا كل من التجأ إلى غير الله ، لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد .

{ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ْ } أي : خسار ودمار ، بالضد مما خطر ببالهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

وقوله - سبحانه - { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن ظلموا أَنفُسَهُمْ . . } بيان لمظاهر عدله فى قضائه وأحكامه .

والضمير المنصوب فى { ظَلَمْنَاهُمْ } يعود إلى أهل هذه القرى ، لأنهم هم المقصودون بالحديث .

أى : وما ظلمنا أهل هذه القرى بإهلاكنا إياهم ، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم ، بسبب إصرارهم على الكفر ، وجحودهم للحق ، واستهزائهم بالرسل الذين جاءوا لهدايتهم . . .

ثم بين - سبحانه - موقف آلهتهم المخزى منهم فقالك { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ التي يَدْعُونَ مِن دُونِ الله مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ . . } .

أى : أن هؤلاء المهلكين عندما نزل بهم العذاب ، لم تنفعهم أصنامهم التى كانوا يعبدونها من دون الله شيئا من النفع . . . بل هى لم تنفع نفسها فقد اندثرت معهم كما اندثروا .

والفاء فى قوله - سبحانه - { فَمَا أَغْنَتْ } للتفريع على ظلمهم لأنفسهم ، لأن اعتمادهم على شفاعة الأصنام ، وعلى دفاعها عنهم . . . من مظاهر جهلهم وغبائهم وظلمهم لأنفسهم .

و { من } فى قوله : { مِن شَيْءٍ } لتأكيد انتفاء النفع والإِغناء : أى : لم تغن عنهم شيئا ولو قليلا من الإِغناء ؛ ولم تنفعهم لا فى قليل ولا كثير . . .

وجملة { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } تأكيد لنفى النفع ، وإثبات للضر والخسران .

والتتبيب : مصدر تب بمعنى خسر ، فلان فلانا إذا وقعه فى الخسران .

ومنه قوله - تعالى - { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أى : هلكتا وخسرتا كما قد هلك وخسر هو .

أى : وما زادتهم أصنامهم التى كانوا يعتمدون عليها فى دفع الضر سوى الخسران والهلاك .

قال الإِمام الرازى : والمعنى : " أن الكفار كانوا يعتقدون فى الأصنام أنها تعين على تحصيل المنافع ودفع المضار ، ثم إنه - تعالى - أخبر أنهم عند مساس الحاجة إلى المعين ، ما وجدوا منها شيئا لا جلب نفع ولا دفع ضر ، ثم كما لم يجدوا ذلك فقد وجدوا ضده ، وهو أن ذلك الاعتقاد زالت عنهم به منافع الدنيا والآخرة ، وجلب لهم مضارهما ، فكان ذلك من أعظم موجبات الخسران " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

المعنى : وما وضعنا عندهم من التعذيب ما لا يستحقونه ، لكنهم ظلموا أنفسهم بوضعهم الكفر موضع الإيمان ، والعبادة في جنبة الأصنام{[6501]} ، فما نفعتهم تلك الأصنام ولا دفعت عنهم حين جاء عذاب الله .

وال { تتبيب } الخسران ، ومنه { تبت يدا أبي لهب }{[6502]} ومنه قول جرير : [ الوافر ]

عرابية من بقية قوم لوط*** ألا تبا لما عملوا تبابا{[6503]}

وصورة زيادة الأصنام التتبيب ، إنما يتصور : إما بأن تأميلها والثقة بها والتعب في عبادتها شغلت نفوسهم وصرفتها عن النظر في الشرع وعاقتها ، فلحق عن ذلك عنت وخسران ، وإما بأن عذابهم على الكفر يزاد إليه عذاب على مجرد عبادة الأوثان .


[6501]:- الجنبة والجنبة من الشيء: جانبه وناحيته، فقد جعلوا العبادة للأصنام وفي ناحيتها.
[6502]:- الآية (1) من سورة (المسد).
[6503]:- البيت من قصيدة قالها جرير في هجاء الرّاعي النّميري، وهي في "النقائض"- طبع بيفان ص 432- وكذلك ذكرت في "منتهى الطلب" لابن ميمون، و"الخزانة 1-34، و"عرارة" جاء محرفا في الأصول "عرابة"، وروي: (لما فعلوا) في الديوان، و(لما صنعوا) في "التاج" و"اللسان"، وعرارة النّميري هذا هو راوية الراعي النميري الذي قيلت فيه القصيدة كلها، وعرارة في الأصل اسم نبات.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

ضمير الغيبة في { ظلمناهم } عَائد إلى { القرى } باعتبار أهلها لأنّهم المقصود .

وإنّما لم يظلمهم الله تعالى لأنّ ما أصابهم به من العذاب جزاء عن سوء أعمالهم فكانوا هم الظّالمين أنفسَهم إذ جرّوا لأنفسهم العذاب .

وفرع على ظلمهم أنفسَهم انتفاء إغناء آلهتهم عنهم شيئاً ، ووجه ذلك الترتب والتفريع أن ظلمهم أنفسهم مَظهره في عبادتهم الأصنام ، وهم لمّا عبدوها كانوا يعبدونها للخلاص من طوارق الحدثان ولتكون لهم شفعاء عند الله وكانوا في أمن من أن ينالهم بأس في الدنيا اعتماداً على دفع أصنامهم عنهم فلمّا جاء أمرهم بضد ذلك كان ذلك الضدّ مضاداً لتأميلهم وتقديرهم .

والغرض من هذا التفريع التعريض بتحذير المشركين من العرب من الاعتماد على نفع الأصنام ، فقد أيقن المشركون أن أولئك الأمم كانوا يعبدون الأصنام كيف وهؤلاء اقتبسوا عبادة الأصنام من الأمم السّابقين وأيقنوا أنهم قد حَلّ بهم من الاستئصال ما شاهدوا آثاره ، فذلك موعظة لهم لو كانوا مهتدين .

وجملة { وما زادوهم غير تتبيب } عِلاوة وارتقاء على عدم نفعهم عند الحاجة بأنّهم لم يكن شأنهم عدم الإغناء عنهم فحسبُ ولكنهم زادتهم تتبيباً وخسراناً ، أي زادتهم أسبابَ الخسران .

والتتبيب : مصدر تبّبه إذا أوقعه في التبَاب وهو الخسارة . وظاهر هذا أن أصنامهم زادتهم تتبيباً لمّا جاء أمر الله ، لأنّه عطف على الفعل المقيّد ب { لمّا } التوقيتية المفيدة أنّ ذلك كان في وقت مجيء أمر الله وهو حلول العذاب بهم .

ووجه زيادتهم إياهم تتبيباً حينئذٍ أنّ تصميمهم على الطمع في إنقاذهم إيّاهم من المصائب حالت دونهم ودون التوبة عند سماع الوعيد بالعذاب .

ويجوز أن يكون العطف لمجرّد المشاركة في الصفة دون قيدها ، أي زادوهم تتبيباً قبل مجيء أمر الله بأنْ زادهم اعتقادهم فيها انصرافاً عن النظر في آيات الرّسل وزادهم تأميلهم الأصنام ، وقد كانت خرافات الأصنام ومناقبها الباطلة مغرية لهم بارتكاب الفواحش والضلال وانحطاط الأخلاق وفساد التّفكير جرأة على رسل الله حتى حقّ عليهم غضب الله المستوجب حلول عذابه بهم .