تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

وقوله تعالى : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) قوله[ في الأصل وم : وقوله ] ( وما ظلمناهم ) فيه وجهان :

أحدهما[ في الأصل وم : أي ] : لم يظلمهم لأنهم وبنيانهم ملك الله تعالى ، وكل ذي ملك له أن يهلك ملكه ، ولا يوصف بالظلم من أتلف ملكه . وهم ظلموا أنفسهم [ وهي ][ ساقطة من الأصل وم ] ليست لهم في الحقيقة ، وكذلك بنيانهم ، ومن أتلف ملك غيره فهو ظالم .

والثاني : أن الظلم وضع الشيء [ في ][ ساقطة من الأصل وم ] غير موضعه . يقول : وما ظلمناهم بالعذاب ؛ إذ يستوجبون ذلك بما ارتكبوا ، فلم نضع العذاب في غير موضعه ، بل هم الذين وضعوا أنفسهم في غير موضعها حين[ في الأصل وم : حيث ] صرفوها إلى غير مالكها ، وعبدوا غيره ، فهو ظلم . هذا التأويل في أنفسهم وأما البنيان فهو أنه إذا جعله لهم ، فإذا هلكوا هم أهلك ما جعل لهم ، إنما أبقى لهم ما داموا . فأما إذا بادوا هم فلا معنى لإبقاء البنيان .

وما ذكر من ظلمهم أنفسهم يحتمل وجوها :

أحدها : ظلموا أنفسهم بعبادتهم غير الله .

والثاني : ظلموا أنفسهم بصرفهم الناس وصدهم عن سبيل الله عن عبادة الله وتوحيده إلى عبادة غير الله .

والثالث : ظلموا أنفسهم بسؤالهم العذاب .

وقوله تعالى : ( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ) في هذا وجهان :

أحدهما : ( فما أغنت عنهم آلهتهم ) التي عبدوها ( من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ) أي عذاب ربك كقولهم : ( ما نعبدهم ) الآية[ الزمر : 3 ] يخبر أن عبادتهم الأصنام لا تنفعهم المنفعة التي طمعوا .

والثاني : ( فما أغنت عنهم ) أنفس آلهتهم في دفع العذاب عنهم في أحوج حال إليها لعجزهم في أنفسهم وضعفهم كقولهم : ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله )[ يونس : 18 ] فإذا لم يملكوا ذلك في وقت الحاجة إليهم فكيف يملكون في غيره من الحال ؟ والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) يحتمل ما زادت[ في الأصل وم : زاد ] عبادتهم إياها غير تتبيب ، أو ما زادت[ في الأصل وم : زاد ] ألهتهم التي عبدوها غير تتبيب . والتتبيب : قال عامة أهل التأويل : هو التخسير . وقال أبو عوسجة : ( غير تتبيب ) غير فساد ، والتتبيب الفساد . وكذلك قال في قوله : ( وما كيد فرعون إلا في تباب )[ غافر : 37 ] أي فساد وقال غيره : إلا في خسار . وقال غير تخسير ، وكذلك قالوا في قوله : ( تبت يدا أبي لهب وتب )[ المسد : 1 ] أي خسرت . وقال أبو عبيدة : ( غير تتبيب ) غير تدمير وأهلاك ، وكذلك قالوا في قوله : ( تبت يدا أبي لهب وتب )[ المسد : 1 ] وكذلك قالوا في [ قول الناس ][ في الأصل وم : قوله ] تبا لك . وقال بعضهم : غير شر ، و التتبيب الشر ، والتب الشر والخسران ، وهما واحد .