اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ} (101)

ثم قال : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } بالعذاب والإهلاك : { ولكن ظلموا أَنفُسَهُمْ } بالكُفْر والمعصية وقيل : الذي نزل بالقوم ليس بظلم من الله ، بل هو عدلٌ وحكمةٌ ؛ لأنَّ القوم أولاً ظلموا أنفسهم بإقدامهم على الكفر والمعاصي ، فاستوجبوا بتلك الأعمالِ من الله العذاب .

وقال ابن عباس : وما نقصناهم في الدنيا من النعم والرزق ، ولكن نُقِصُوا حظ أنفسهم حيثُ استخفُّوا بحقوقِ الله تعالى{[18976]} .

{ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ التي يَدْعُونَ مِن دُونِ الله مِن شَيْءٍ } أي : ما نفعتهم تلك الآلهة في شيء ألبتة .

قوله : { لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ } أي : عذاب ربك .

قال الزمخشريُّ : " لمَّا " منصوب ب " أغْنَتْ " وهو بناءً منه على أنَّ " لمَّا " ظرفية .

والظَّاهر أنَّ " مَا " نافية ، أي : لم تُغْن . ويجوز أن تكون استفهاميةً ، و " يَدْعُونَ " حكاية حال ، أي : التي كانُوا يدعُون ، و " مَا زادُهُمْ " الضًَّميرُ المرفوع للأصنام ، والمنصوبُ لعبدتها وعبَّر عنهم بواو العقلاء ؛ لأنهم نزَّلُوهم منزلتهم .

والتَّتبِيْبُ : التَّخسيرُ ، يقالُ : تبَّ الرجلُ غيره إذا أوقعه في الخسران . يقال : تَبَّبَ غيره وتبَّ هو بنفسه ، فيستعمل لازماً ومتعدياً ، ومنه { تَبَّتْ يدا أبي لهبٍ وتبَّ " .

وتَبّبتُهُ تَتْبِيباً ، أي : خسَّرته تَخْسِيراً قال لبيدٌ :

ولقَدْ بَلِيتُ وكُلُّ صاحبِ جدَّةٍ *** لِبِلًى يعُودُ وذاكُمُ التَّتْبِيبُ{[18977]}

وقيل : التَّتْبيب : التَّدْمير . والمعنى : أنَّ الكفار يعتقدون في الأصنام أنها تنفعُ وتدفع المضار ، ثم أخبر أنَّهُم عند الحاجِة إلى المُعين ما وجدُوا فيها شيئاً لا جلب نفعٍ ، ولا دفع ضرٍر ، وإنَّما وجدُوا ضدَّ ذلك ، وهذا أعظم الخسران .


[18976]:ذكره الرازي في "تفسيره" (18/46).
[18977]:ينظر البيت في ديوانه (271) والقرطبي 9/64 والبحر المحيط 5/252 والدر المصون 4/130.