تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

{ 17 - 20 ْ } { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا * فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا * وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ْ }

يخبر تعالى عن حالة المشركين وشركائهم يوم القيامة وتبريهم منهم ، وبطلان سعيهم فقال : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } أي : المكذبين المشركين { وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ } الله مخاطبا للمعبودين على وجه التقريع لمن عبدهم : { أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ } هل أمرتموهم بعبادتكم وزينتم لهم ذلك أم ذلك من تلقاء أنفسهم ؟

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن حالهم عندما يعرضون هم وآلهتهم للحشر والحساب يوم القيامة ، وقد وقفوا جميعا أمام ربهم للسؤال والجواب ، قال - تعالى - : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ . . . } .

قوله - تعالى - : { وَيَوْمَ } منصوب على المفعولية بفعل مقدر ، والمقصود من ذكر اليوم : تذكيرهم بما سيحدث فيه من أهوال حتى يعتبروا ويتعظوا ، والمضير فى " يحشرهم " للكافرين الذين عبدوا غير الله - تعالى - .

وقوله : { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } معطوف على مفعول " يحشرهم " والمراد بهؤلاء الذين عبدوهم من دون الله : الملائكة وعزير وعيسى وغيرهم من كل معبود سوى الله - تعالى - .

والمعنى : واذكر لهم - أيها الرسول الكريم - حالهم لعلهم أن يعتبروا يوم نحشرهم جميعا للحساب والجزاء يوم القيامة ، ونحشر ونجمع معهم جميع الذين كانوا يعبدونهم غيرى .

ثم نوجه كلامنا لهؤلاء المعبودين من دونى فأقول لهم : أانتم - أيها المعبودون - كنتم السبب فى ضلال عبادى عن إخلاص العبادة لى ، بسبب إغرائكم لهم بذلك أم هم الذين من تلقاء أنفسهم قد ضلوا السبيل ، بسبب إيثارهم الغى على الرشد ، والكفر على الإيمان ؟

والسؤال للمعبودين إنما هو من باب التقريع للعابدين ، وإلزامهم الحجة وزيادة حسرتهم ، وتبرئة ساحة المعبودين .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ } وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ . . } قال الإمام الرازى ما ملخصه : فإن قيل : إنه - سبحانه - عالم فى الأزل بحال المسئول عنه فما فائدة السؤال ؟ .

والجواب : هذا استفهام على سبيل التقريع للمشركين ، كما قال - سبحانه - لعيسى : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله } ولأن أولئك المعبودين لما برءوا أنفسهم وأحالوا ذلك الضلال عليهم ، صار تبرُّؤُ المعبودين عنهم أشد فى حسرتهم وحيرتهم .

وقال - سبحانه - { أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل } ولم يقل . ضلوا عن السبيل ، للإشعار بأنهم قد بلغوا فى الضلال أقصاه ومنتهاه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمۡ أَضۡلَلۡتُمۡ عِبَادِي هَـٰٓؤُلَآءِ أَمۡ هُمۡ ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (17)

{ ويوم نحشرهم } للجزاء ، وقرئ بكسر الشين وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص بالياء . { وما يعبدون من دون الله } يعم كل معبود سواه تعالى ، واستعمال { ما } إما لأن وضعه أعم ولذلك يطلق لكل شبح يرى ولا يعرف ، أو لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبودهم أو لتغليب الأصنام تحقيرا أو اعتبار لغلبة عبادها ، أو يخص الملائكة وعزيرا والمسيح بقرينة السؤال والجواب ، أو الأصنام ينطقها الله أو تتكلم بلسان الحال كما قيل في كلام الأيدي والأرجل . { فيقول } أي للمعبودين وهو على تلوين الخطاب ، وقرأ ابن عامر بالنون . { أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد النصيح ، وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبدة ، وأصله { أأضللتم } أو { ضلوا } فغير النظم ليلي حرف الاستفهام المقصود بالسؤال وهو المتوالي للفعل دونه لأنه لا شبهة فيه وإلا لما توجه العتاب وحذف صلة الضل مبالغة .