تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا} (21)

{ 21 - 23 } { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا * وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا }

أي : قال المكذّبون للرسول المكذبون بوعد الله ووعيده الذين ليس في قلوبهم خوف الوعيد ولا رجاء لقاء الخالق :

{ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا } أي : هلا نزلت الملائكة تشهد لك بالرسالة وتؤيّدك عليها أو تنزل رسلا مستقلين ، أو نرى ربنا فيكلمنا ويقول : هذا رسولي فاتبعوه ؟ وهذا معارضة للرسول بما ليس بمعارض بل بالتكبر والعلوّ والعتوّ .

{ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ } حيث اقترحوا هذا الاقتراح وتجرأوا هذه الجرأة ، فمن أنتم يا فقراء ويا مساكين حتى تطلبوا رؤية الله وتزعموا أن الرسالة متوقف ثبوتها على ذلك ؟ وأي كبر أعظم من هذا ؟ .

{ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } أي : قسوا وصلبوا عن الحق قساوة عظيمة ، فقلوبهم أشد من الأحجار وأصلب من الحديد لا تلين للحق ، ولا تصغى للناصحين فلذلك لم ينجع فيهم وعظ ولا تذكير ولا اتبعوا الحق حين جاءهم النذير ، بل قابلوا أصدق الخلق وأنصحهم وآيات الله البينات بالإعراض والتكذيب والمعارضة ، فأي عتوّ أكبر من هذا العتوّ ؟ " ولذلك بطلت أعمالهم واضمحلّت ، وخسروا أشد الخسران ، وحرموا غاية الحرمان .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا} (21)

ثم حكت السورة للمرة الرابعة تطاول المشركين وجهالاتهم ، وردت عليهم بما يخزيهم ، وبينت ما أعد لهم من عذاب فى يوم لا ينفعهم فيه الندم .

قال - تعالى - : { وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ . . . } .

قال الفخر الرازى : اعلم أن قوله - تعالى - : { وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } هو الشبهة الرابعة لمنكرى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحاصلها : لماذا لم ينزل الله الملائكة حتى يشهدوا أن محمدا محق فى دعواه ، أو نرى ربنا حتى يخبرنا بأنه أرسله إلينا . .

والرجاء : الأمل والتوقع لما فيه خير ونفع . وفسره بعضهم بمجرد التوقع الذى يشمل ما يسر وما يسوء ، وفسره بعضهم هنا بأن المراد به : الخوف .

والمراد بلقائه - سبحانه - : الرجوع إليه يوم القيامة للحساب والجزاء لأنهم ينكرون ذلك ، ولا يبالون به ، ولا يخافون أهواله . قالوا - على سبيل التعنت والعناد- :

هلا أنزل علينا الملائكة لكى يخبرونا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم أو هلا نرى ربنا جهرة ومعاينة ليقول لنا إن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول من عندى !

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { . . أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً } أى : ليشهدوا بصدقك ، وقد رد الله - تعالى - عليهم بقوله : { لَقَدِ استكبروا في أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } .

والعتو : تجاوز الحد فى الظلم والعدوان . يقال عتا فلان يعتو عتوا ، إذا تجاوز حده فى الطغيان .

أى : والله لقد أضمر هؤلاء الكافرون الاستكبار عن الحق فى أنفسهم المغرورة ، وتجاوزوا كل حد فى الطغيان تجاوزا كبيرا ، حيث طلبوا مطالب هى أبعد من أن ينالوها بعد الأرض عن السماء . وصدق الله إذ يقول : { . . . إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ . . } ووصف - سبحانه - عتوهم بالكبر للدلالة على إفراطهم فيه ، وأنهم قد وصلوا فى عتوهم إلى الغاية القصوى منه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا} (21)

{ وقال الذين لا يرجون } لا يأملون { لقاءنا } بالخير لكفرهم بالبعث ، أولا يخافون { لقاءنا } بالشر على لغة تهامة ، واصل اللقاء الوصول إلى الشيء ومنه الرؤية فإنه وصول إلى المرئي ، والمراد به الوصول إلى جزائه ويمكن أن يراد به الرؤية على الأول . { لولا } هلا . { أنزل علينا الملائكة } فتخبرنا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل فيكونوا رسلا إلينا . { أو نرى ربنا } فيأمرنا بتصدقيه واتباعه . { لقد استكبروا في أنفسهم } أي في شأنها حتى أرادوا لها ما يتفق لأفراد من الأنبياء الذين هم أكمل خلق الله في أكمل أوقاتها وما هو أعظم من ذلك . { وعتوا } وتجاوزوا الحد في الظلم . { عتوا كبيرا } بالغا أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات القاهرة فأعرضوا عنها ، واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ماسدت دونه مطامح النفوس القدسية ، واللام جواب قسم محذوف وفي الاستئناف بالجملة حسن وإشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم كقوله :

وجارة جساس بنابها *** كليبا علت ناب كليب بواؤها .