{ إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ } أي : ليس لي مزية على الناس ، إلا أن الله خصني بإبلاغ رسالاته ودعوة الخلق إلى الله ، وبهذا{[1252]} تقوم الحجة على الناس . { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } وهذا المراد به المعصية الكفرية ، كما قيدتها النصوص الأخر المحكمة .
وأما مجرد المعصية ، فإنه لا يوجب الخلود في النار ، كما دلت على ذلك آيات القرآن ، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأجمع عليه سلف الأمة وأئمة هذه الأمة .
وقوله - سبحانه - : { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله وَرِسَالاَتِهِ . . . } استثناء من مفعول { لاَ أَمْلِكُ } ، وهما قوله قبل ذلك : { لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } وما يليهما اعتراض مؤكد لنفى الاستطاعة . أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - إنى لا أملك ما يضركم ولا أملك ما ينفعكم ، وإنما الذى أملكه هو تبليغ رسالات ربى إليكم ، بأمانة واجتهاد .
والبلاغ : مصدر بلَّغ ، وهو إيصال الكلام أو الحديث إلى الغير ، ويطلق على الكلام المبلغ من إطلاق المصدر على المفعول ، مثل : " هذا خلق الله " ، و " من " ابتدائية صفة لقوله : " بلاغا " أى : بلاغا كائنا من جهة الله - تعالى - وأمره . والرسالات : جمع رسالة ، وهى ما يرسل إلى الغير من كلام أو كتاب . والمراد بها هنا : تبليغ ما أوحاه الله - تعالى - إلى نبيه للناس .
قال الآلوسى ما ملخصه وقوله : { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله . . . } استثناء من مفعول لا أملك . . وما بينهما اعتراض . . فإن كان المعنى : لا أملك أن أضركم ولا أن أنفعكم ، كان استثناء متصلا ، كأنه قيل : لا أملك شيئا إلا بلاغا ، وإن كان المعنى : لا أملك أن أقسركم على الغى والرشد ، كان منقطعا ، أو من باب : لا عيب فيهم غير أن سيوفنا . . أى : أنه من أسلوب تأكيد الشئ بما يشبه ضده ، وقوله { وَرِسَالاَتِهِ } عطف على قوله { بَلاَغاً } وقوله : { مِّنَ الله } متعلق بمحذوف وقع صفه له . أى : بلاغا كائنا من الله . .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك سوء عاقبة من يخالف أمره فقال : { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ } فيما أمرا به ، أو نهيا عنه .
{ فَإِنَّ لَهُ } أى : لهذا العاصى { نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أى : فحكمه أن له نار جهنم ، وجمع - سبحانه - خالدين باعتبار معنى " من " ، كما أن الإِفراد فى قوله { فَإِنَّ لَهُ } باعتبار لفظها .
وقوله : " أبدا " مؤكد لمعنى الخلود . أى : خالدين فيها خلودا أبديا لا نهاية له .
وقوله تعالى : { إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ } قال بعضهم : هو مستثنى من قوله : { لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا } { إِلا بَلاغًا } ويحتمل أن يكون استثناء من قوله : { لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ } أي : لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها عليّ ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [ المائدة : 67 ] {[29387]}
وقوله : { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } أي : أنما أبلغكم رسالة الله ، فمن يعص بعد ذلك فله جزاء على ذلك نار جهنم خالدين فيها أبدًا ، أي لا محيد لهم عنها ، ولا خروج لهم منها .
اختلف الناس في تأويل قوله { إلا بلاغاً } : فقال الحسن ما معناه أنه استثناء منقطع ، والمعنى لن يجيرني من الله أحد { إلا بلاغاً } ، فإني إن بلغت رحمني بذلك ، والإجارة : للبلاغ مستعارة إذ هو سبب إجارة الله تعالى ورحمته ، وقال بعض النحاة على هذا المعنى هو استثناء متصل . والمعنى لن أجد ملتحداً { إلا بلاغاً } ، أي شيئاً أميل إليه وأعتصم به إلا أن أبلغ وأطيع ، فيجبرني الله . وقال قتادة : التقدير لا أملك { إلا بلاغاً } إليكم ، فأما الإيمان أو الكفر فلا أملكه . وقال بعض المتأولين { إلا } بتقدير الانفصال ، و «إن » شرط و «لا » نافية كأنه يقول : ولن أجد ملتحداً إن لم أبلغ من الله ورسالته ، و { من } في قوله { من الله } لابتداء الغاية . وقوله تعالى : { ومن يعص الله } يريد الكفر بدليل الخلود المذكور . وقرأ طلحة وابن مصرف ، «فإن له » على معنى فجزاؤه أن له .
وقوله : { إلاّ بلاغاً من الله ورسالاته } استثناء منقطع من { ضرَّاً } و { رشداً } ، وليس متصلاً لأن الضر والرشد المنفيين في قوله : { لا أملك لكم ضراً ولا رشداً } هما الضر والرشد الواقعان في النفس بالإلجاء .
ويجوز أن يكون مع ذلك استثناء من { ملتحداً } ، أي بتأويل { ملتحداً } بمعنى مخلص أو مأمن .
وهذا الاستثناء من أسلوب تأكيد الشيء بما يشبه ضده .
والبلاغ : اسم مصدر بلغ ، أي أوصل الحديث أو الكلام ، ويطلق على الكلام المبلغ من إطلاق المصدر على المفعول مثل { هذا خلق الله } [ لقمان : 11 ] .
و { مِن } ابتدائية صفة ( بلاغ ) ، أي بلاغاً كائناً من جانب الله ، أي إلاّ كلاماً أبلغه من القرآن الموحى من الله .
و { رسالاته } : جمع رسالة ، وهي ما يرسل من كلام أو كتاب فالرسالات بلاغ خاص بألفاظ مخصوصة ، فالمراد منها هنا تبليغ القرآن .
لما كان قوله : { قال إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحداً } [ الجن : 20 ] إلى هنا كلاماً متضمناً أنهم أشركوا وعاندوا الرسول صلى الله عليه وسلم حينَ دعاهم إلى التوحيد واقترحوا عليه ما توهموه تعجيزاً له من ضروب الاقتراح ، أعقب ذلك بتهديدهم ووعيدهم بأنهم إن داموا على عصيان الله ورسوله سيلقون نار جهنم لأن كل من يعصي الله ورسوله كانت له نار جهنم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.