تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ} (56)

{ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } أي : الحذر على الجميع منهم ، وهم أعداء للجميع ، والمصلحة مشتركة ، فخرج فرعون وجنوده ، في جيش عظيم ، ونفير عام ، لم يتخلف منهم سوى أهل الأعذار ، الذين منعهم العجز .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ} (56)

{ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } أى : متيقظون لمكائدهم ، ومحتاطون لمكرهم ، وممسكون بزمام الأمور حتى لا يؤثر فينا خداعهم .

يقال : حذر فلان حذرا - من باب تعب - بمعنى : استعد للأمر وتأهب له بيقظة . .

وكلام فرعون هذا - الذى حكاه القرآن عنه - يوحى بهلعه وخوفه مما فعله موسى - عليه السلام - إلا أنه أراد أن يستر هذا الهلع والجزع بالتهوين من شأنه ومن شأن الذين خرجوا معه وبتحريض قومه على اللحاق بهم وتأديبهم ، وبالظهور بمظهر المستعد هو وقومه لمجابهة الأخطار والتمرد بكل قوة وحزم .

قال صاحب الكشاف : والمعنى : أنهم - أى موسى ومن معه - لقلتهم لا يبالى بهم ، ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم ، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم فى الأمور ، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه ، وقرىء : حذرون .

. . والحذر : اليقظ . والحاذر : الذى يجدد حذره .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ} (56)

{ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } أي : نحن كل وقت نحذر من غائلتهم ، وإني أريد أن أستأصل شأفتهم ، وأبيد خضراءهم . فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ} (56)

{ وإنا لجميع حذرون } وإنا لجمع من عادتنا الحذر واستعمال الحزم في الأمور ، أشار أولا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثا عليه ، أو اعتذر بذلك إلى أهل المدائن كي لا يظن به ما يكسر سلطانه ، وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان والكوفيون { حاذرون } والأول للثبات والثاني للتجدد ، وقيل الحاذر المؤدي في السلاح وهو أيضا من الحذر لأن ذلك إنما يفعل حذرا وقرىء " حادرون " بالدال المهملة أي أقوياء قال :

أحب الصبي السوء من أجل أمه *** وأبغضه من بغضها وهو حادر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ} (56)

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «حذرون » وهو جمع حذر وهو المطبوع على الحذر وهو هاهنا غير عامل ، وكذلك هو في قول أبي أحمر : [ السريع ]

هل ينسئن يومي إلى غيره . . . أنى حوالى وإني حذر{[8931]}

واختلف في عمل فعل فقال سيبويه إنه عامل وأنشد : [ الكامل ]

حذر أموراً لا تضير وآمن . . . ما ليس منجيه من الأقدار{[8932]}

وادعى اللاحقي تدليس هذا البيت على سيبويه ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «حاذرون » وهو الذي أخذ يحذر{[8933]} ، وقال عباس بن مرداس : [ الوافر ]

وأني حاذر أنهي سلاحي . . . إلى أوصال ذيال صنيع{[8934]}

وقرأ ابن أبي عمارة{[8935]} وسميط بن عجلان «حادرون » بالدال غير منقوطة من قولهم عين حدرة أي معينة فالمعنى ممتلئون غضباً وأنفة{[8936]} .


[8931]:البيت في (اللسان- حول)، استشهد به على أن الحوالي هو الجيد الرأي ذو الحيلة، ونسبه لابن أحمر أيضا، لكنه قال: (ويقال إنه للمرار بن منقذ العدوي)، والرواية فيه "أو تنسأن يومي" وابن أحمر هو عمرو بن أحمر بن الغرمد بن فراص، كان أعور، وعمر تسعين سنة ثم سقي بطنه فمات. وابن عطية يستشهد بالبيت على أن (حذر) غير عامل على خلاف ما يراه سيبويه، والحذر- كما في اللسان- هو المتيقظ المتحرر الشديد الحذر والفزع.
[8932]:استشهد سيبويه بهذا البيت على أن (حذر) تعمل مثل (حاذر)، وقد ذكر ذلك في اللسان، والبيت في خزانة الأدب، وفي العيني حيث قال: "قائله أبو يحيى اللاحقي"، وساق خبر أنه مصنوع، وأنشده ابن الشجري دون أن ينسبه، وروايته هو والعيني كما هنا: "لا تضير"، أي : لا تضر، ورواية الكتاب لسيبويه، واللسان: "لا تخاف"، وقد روي عن اللاحقي أنه قال: سألني عن شاهد في التعدي (فعل) فعملت له هذا البيت. وإعمال فعل وفعيل مذهب سيبويه، لأنهما عنده محولان من (فاعل) المتعدي لإرادة المبالغة فيعملان عمله قياسا على (فعول وفعال)، وعورض سيبويه في هذا لأنهما بناءان لما لا يتعدى مثل كريم ولئيم وبطر وأشر. ومعنى البيت أن هذا الإنسان جاهل قليل المعرفة وأنه يحذر ما لا ينبغي أن يحذر أو يخاف منه، ويأمن ما لا يصح أن يأمن.
[8933]:يريد أن يقول: إن معنى (حذر) متيقظ وفي خلقته وطبيعته الحذر، ومعنى (حاذر) مستعد أخذ يحذر، أي: بدأ يتعلم الحذر في المستقبل لا في قصته، وحكى النحاس عن أبي عبيدة أنهما بمعنى واحد، وهو قول سيبويه الذي استشهد عليه ببيت ابن أحمر.
[8934]:العباس بن مرداس شاعر وفارس، أسلم قبل فتح مكة، وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في تسعمائة ونيف من قومه بني سليم، وكان يرجع إلى بلاده ولا يقيم في مكة ولا المدينة. والبيت في (اللسان- ذيل)، ذكره شاهدا على أن (ذيال) معناها: طويل الذيل، ومعنى "أنمي سلاحي": أزيده وأمده، يقال: أنميت الشيء ونميته: جعلته ناميا، والأوصال: المفاصل، والذيال قد يقال للمختال المتبختر في مشيه من الخيل، وقد يقال للرجل إذا تبختر فجر ذيله وراءه، والشاهد أن (حاذر) هنا هو الذي يأخذ في الحذر.
[8935]:في الأصول: "ابن أبي عمارة"، والتصويب عن "البحر المحيط" و "القرطبي" ، قال القرطبي: "حكاها المهدوي عن ابن أبي عمار، والماوردي والثعلبي عن سميط بن عجلان".
[8936]:وقال ابن خالويه: الحادر: السمين القوي الشديد، يقال: غلام حدر بدر، وقال صاحب اللوامح: حدر الرجل: قوي بأسه، يقال: رجل حدر بدر إذا كان شديد البأس في الحرب، وقال الشاعر: أحب الصبي السوء من أجل أمه وأبغضه من بغضها وهو حادر
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ} (56)

قوله : { وإنا لجميع حاذرون } حثّ لأهل المدائن على أن يكونوا حَذِرين على أبلغ وجه إذ جعل نفسه معهم في ذلك بقوله : { لجميع } وذلك كناية عن وجوب الاقتداء به في سياسة المملكة ، أي إنا كلَّنا حَذرُون ، ف { جميع } وقع مبتدأ وخبرُه { حاذرون } ، والجملة خبر { إنَّ } ، و ( جميع ) بمعنى : ( كل ) كقوله تعالى : { إليه مرجعكم جميعاً } في سورة يونس ( 4 ) .

و { حَاذِرون } قرأه الجمهور بدون ألف بعد الحاء فهو جمع حَذِر وهو من أمثلة المبالغة عند سيبويه والمحققين . وقرأه حمزة وعاصم والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر وخلف بألف بعد الحاء جمع ( حَاذر ) بصيغة اسم الفاعل . والمعنى : أن الحَذَر من شيمته وعادته فكذلك يجب أن تكون الأمة معه في ذلك ، أي إنا من عادتنا التيقظ للحوادث والحَذرُ مما عسى أن يكون لها من سيّىء العواقب .

وهذا أصل عظيم من أصول السياسة وهو سدّ ذرائع الفساد ولو كان احتمالُ إفضائها إلى الفساد ضعيفاً ، فالذرائع الملغاة في التشريع في حقوق الخصوص غير ملغاة في سياسة العموم ، ولذلك يقول علماء الشريعة : إن نظر ولاة الأمور في مصالح الأمة أوسع من نظر القضاة ، فالحذر أوسع من حفظ الحقوق وهو الخوف من وقوع شيء ضار يمكن وقوعه ، والترصدُ لِمنع وقوعه ، وتقدم في قوله { يَحْذَر المنافقون } في براءة ( 64 ) . والمحمود منه هو الخوف من الضارّ عند احتمال حدوثه دون الأمر الذي لا يمكن حدوثه فالحذرُ منه ضرب من الهوس .

وهذا يرجح أن يكون المحذور هو الاغترار بإيمان السحرة بالله وتصديق موسى ويبعِّد أن يكون المراد خروج بني إسرائيل من مصر لأنه حينئذ قد وقع فلا يحذر منه وإنما يكون السعي في الانتقام منهم .