تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (189)

189-193 هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ .

أي : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ أيها الرجال والنساء ، المنتشرون في الأرض على كثرتكم وتفرقكم . مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وهو آدم أبو البشر صلى الله عليه وسلم .

وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا أي : خلق من آدم زوجته حواء لأجل أن يسكن إليها لأنها إذا كانت منه حصل بينهما من المناسبة والموافقة ما يقتضي سكون أحدهما إلى الآخر ، فانقاد كل منهما إلى صاحبه بزمام الشهوة .

فَلَمَّا تَغَشَّاهَا أي : تجللها مجامعا لها قدَّر الباري أن يوجد من تلك الشهوة وذلك الجماع النسل ، [ وحينئذ ]{[333]} حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا ، وذلك في ابتداء الحمل ، لا تحس به الأنثى ، ولا يثقلها .

فَلَمَّا استمرت به و أَثْقَلَتْ به حين كبر في بطنها ، فحينئذ صار في قلوبهما الشفقة على الولد ، وعلى خروجه حيا ، صحيحا ، سالما لا آفة فيه [ كذلك ]{[334]} فدعوا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا ولدا صَالِحًا أي : صالح الخلقة تامها ، لا نقص فيه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ .


[333]:- زيادة من هامش ب، وفي أ: فحملت.
[334]:- زيادة من هامش ب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (189)

ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن مظاهر قدرة الله وأدلة وحدانيته ، فذكرت الناس بمبدأ نشأتهم ، وكيف أن بعضهم قد انحرف عن طريق التوحيد إلى طريق الشرك ، وساقت ذلك في صورة القصة لضرب المثل من واقع الحياة فقالت : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ . . . } .

قوله - تعالى - { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } استئناف مسوق لبيان ما يقتضى التوحيد الذي هو المقصد الأعظم .

أى : إن الذي يستحق العبادة والخضوع ، والذى عنده مفاتح الغيب هو الله الذي خلقكم من نفس واحدة هى نفس أبيكم آدم ، وجعل من نوع هذه النفس وجنسها زوجها حواء ، ثم انتشر الناس منهما بعد ذلك كما قال - تعالى - { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } وقوله { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } أى : ليطمئن إليهاويميل ولا ينفر ، لأن الجنس إلى الجنس أميل وبه آنس . وإذا كانت بعضا منه كان السكون والمحبة أبلغ ، كما يسكن الإنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه لكونه بضعة منه .

فالأصل في الحياة الزوجية هو السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار وهذه نظرة الإسلام إلى تلك الحياة قال - تعالى - { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } والضمير المستكين في { لِيَسْكُنَ } يعود إلى النفس ، وكان الظاهر تأنيثه لأن النفس من المؤنثات السماعية ولذا أنثت صفتها وهى قوله { وَاحِدَةٍ } إلا أنه جاء مذكرا هنا باعتبار أن المراد من النفس هنا - آدم عليه السلام - " ولو أنث على حسب الظاهر لتوهم نسبة السكون إلى الأنثى ، فكان التذكير كما يقول الزمخشرى - أحسن طباقا للمعنى .

وقوله { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ } .

الغشاء : غطاء الشىء الذي يستره من فوقه ، والغاشية ؛ الظلة التي تظل الإنسان من سحابة أو غيرها . والتغشى كناية عن الجماع . أى فلما تغشى الزوج الذي هو الذكر الزوجى التي هى الأنثى وتدثرها لقضاء شهوتهما { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } . أى : حملت منه محمولا خفيفا وهو الجنين في أول حملة لا تجد المرأة له ثقلا لأنه يكون نطفة ثم مضغة ، ولا ثقل له يذكر في تلك الأحوال { فَمَرَّتْ بِهِ } أى : فمضت به إلى وقت ميلاده من غير نقصان ولا إسقاط . أو المعنى : فاستمرت به كما كانت من قبل حيث قامت وقعدت وأخذت وتركت من غير مشقة وتلك هى المرحلة الأولى من مراحل الحمل .

وتأمل معى - أيها القارىء الكريم - مرة أخرى قوله - تعالى - : { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } لترى سمو القرآن في تعبيره ، وأدبه في عرض الحقائق . إن أسلوبه يلطف ويدق عند تصوير العلاقة بين الزوجين ، فهو يسوقها عن طريق كناية بديعة تتناسب مع جو السكن والمودة بين الزوجين وتتسق مع جو الستر الذي تدعو إليه الشريعة الإسلامية عند المباشرة بين الرجل والمرأة ، ولا نجد كلمة تؤدى هذه المعانى أفضل من كلمة { تَغَشَّاهَا } .

ثم تأتى المرحلة الثانية من مراحل الحمل فيعبر عنها القرآن بقوله : { فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } .

أى : فحين صارت ذات ثقل يسبب نمو الحمل في بطنها ، فالهمزة للصيرورة كقولهم : أتمر فلان وألبن أى : صار ذا تمر ولبن .

أى : وحين صارت الأم كذلك وتبين الحمل ، وتعلق به قلب الزوجين ، توجها إلى ربهما يدعوانه بضراعة وطمع بقولهما : { لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً } أى لئن أعطيتنا نسلا سويا تام الخلقة ، يصلح للأعمال الإنسانية النافعة { لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } لك على نعمائك التي من أجلها هذه النعمة واستجاب الله للزوجين دعاءهما ، فرزقهما الولد الصالح فماذا كانت النتيجة ؟

لقد كانت النتيجة عدم الوفاء لله فيما عاهداه عليه ، ويحكى القرآن ذلك فيقول : { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (189)

ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم ، عليه السلام ، وأنه خلق منه زوجه{[12502]} حواء ، ثم انتشر الناس منهما ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً ]{[12503]} } الآية [ النساء : 1 ] .

وقال في هذه الآية الكريمة : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } أي : ليألفها ويسكن بها ، كما قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ الروم : 21 ] فلا ألفة بين زَوْجين أعظم مما بين الزوجين ؛ ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه .

{ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أي : وطئها { حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا } وذلك أول الحمل ، لا تجد المرأة له ألما ، إنما هي النُّطفة ، ثم العَلَقة ، ثم المُضغة .

وقوله : { فَمَرَّتْ بِهِ } قال مجاهد : استمرت بحمله . وروي عن الحسن ، وإبراهيم النَّخَعَي ، والسُّدِّي ، نحوه .

وقال ميمون بن مهران : عن أبيه استخفته .

وقال أيوب : سألت الحسن عن قوله : { فَمَرَّتْ بِهِ } قال : لو كنت رجلا عربيًا لعرفت ما هي . إنما هي : فاستمرت به .

وقال قتادة : { فَمَرَّتْ بِهِ } واستبان حملها .

وقال ابن جرير : [ معناه ]{[12504]} استمرت بالماء ، قامت به وقعدت .

وقال العَوْفي ، عن ابن عباس : استمرت به ، فشكت : أحملت{[12505]} أم لا .

{ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ } أي : صارت ذات ثقل{[12506]} بحملها .

وقال السدي : كبر الولد في بطنها .

{ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا } أي : بشرا سويا ، كما قال الضحاك ، عن ابن عباس : أشفقا أن يكون بهيمة .

وكذلك{[12507]} قال أبو البَخْتري وأبو مالك : أشفقا ألا يكون إنسانًا .

وقال الحسن البصري : لئن آتيتنا غلامًا .

{ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } .

/خ190


[12502]:في د: "زوجته".
[12503]:زيادة من م، أ.
[12504]:زيادة من أ.
[12505]:في د، ك، م، أ: "أحبلت".
[12506]:في م: "أثقل".
[12507]:في أ: "وكذا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (189)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماّ تَغَشّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرّتْ بِهِ فَلَمّآ أَثْقَلَتْ دّعَوَا اللّهَ رَبّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لّنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ . يعني بالنفس الواحدة : آدم كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ قال : آدم عليه السلام .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ من آدم .

ويعني بقوله : وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها : وجعل من النفس الواحدة ، وهو آدم ، زوجها حوّاء كما :

حدثني بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها : حوّاء ، فجُعلت من ضِلَع من أضلاعه ليسكن إليها .

ويعني بقوله : لِيَسْكُنَ إلَيْها : ليأوى إليها لقضاء الحاجة ولذّته . ويعني بقوله : فَلَمّا تَغَشّاها فلما تدثرها لقضاء حاجته منها فقضى حاجته منها ، حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفا وفي الكلام محذوف ترك ذكره استغناء بما ظهر عما حذف ، وذلك قوله : فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ وإنما الكلام : فلما تغشاها فقضى حاجته منها حملت . وقوله : حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفا يعني بخفة الحمل : الماء الذي حملته حوّاء في رحمها من آدم أنه كان حملاً خفيفا ، وكذلك هو حمل المرأة ماء الرجل خفيف عليها . وأما قوله : فَمَرّتْ بِهِ فإنه يعني : استمرّت بالماء : قامت به وقعدت ، وأتمت الحمل . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي عمير ، عن أيوب ، قال : سألت الحسن عن قوله : حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفا فَمَرّتْ بِهِ قال : لو كنت امرأً عربيّا لعرفت ما هي ، إنما هي : فاستمرّت به .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفا فَمَرّتْ بِهِ استبان حملها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَمَرتْ بِهِ قال : استمرّ حملها .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفا قال : هي النطفة . وقوله فَمَرتْ بِهِ يقول : استمرّت به .

وقال آخرون : معنى ذلك : فشكّت فيه . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : فَمَرّتْ بِهِ قال : فشكت أحملت أم لا .

ويعني بقوله : فَلَمّا أثْقَلَتْ فلما صار ما في بطنها من الحمل الذي كان خفيفا ثقيلاً ودنت ولادتها ، يقال منه : أثقلت فلانة إذا صارت ذات ثقل بحملها كما يقال : أتمر فلان : إذا صار ذا تمر . كما :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَلَمّا أثْقَلَتْ : كبر الولد في بطنها .

قال أبو جعفر : دَعَوَا اللّهَ رَبّهُما ، يقول : نادى آدم وحوّاء ربهما وقالا : يا ربنا لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشاكرين .

واختلف أهل التأويل في معنى الصلاح الذي أقسم آدم وحوّاء عليهما السلام أنه إن آتاهما صالحا في حمل حوّاء لنكوننّ من الشاكرين . فقال بعضهم : ذلك هو أن يكون الحمل غلاما . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : لَئِنْ آتَيْتَنا صَالِحا قال : غلاما .

وقال آخرون : بل هو أن يكون المولود بشرا سويّا مثلهما ، ولا يكون بهيمة . ذكر من قال ذلك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن زيد بن جبير الحسمي ، عن أبي البَخْتري ، في قوله : لَئِنْ آتَيْتَنا صَالِحا لَنَكُونَنّ مِن الشّاكِرِينَ قال : أشفقا أن يكون شيئا دون الإنسان .

قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن زيد بن جبير ، عن أبي البَخْتري ، قال : أشفقا أن لا يكون إنسانا .

قال : حدثنا محمد بن عبيد ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قال : لما حملت امرأة آدم فأثقلت ، كان يشفقان أن يكون بهيمة ، فَدَعَوَا رَبّهُما لَئنْ آتَيْتَنا صَالِحا . . . الاَية .

قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : أشفقا أن يكون بهيمة .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال سعيد بن جبير : لما هبط آدم وحوّاء ، أُلقيت الشهوة في نفسه فأصابها ، فليس إلاّ أن أصابها حملت ، فليس إلاّ أن حملت تحرّك في بطنها ولدها ، قالت : ما هذا ؟ فجاءها إبليس ، فقال : أترين في الأرض إلاّ ناقة أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة ؟ هو بعض ذلك . قالت : والله ما منى شيء إلاّ وهو يضيق عن ذلك . قال : فأطيعيني وسميه عبد الحرث تلدي شِبْهكما مثلكما قال : فذكرت ذلك لاَدم عليه السلام ، فقال : هو صاحبنا الذي قد أخرجنا من الجنة . فمات ، ثم حملت بآخر ، فجاءها فقال : أطيعيني وسميه عبد الحرث وكان اسمه في الملائكة الحارث وإلاّ ولدتِ ناقة أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة ، أو قتلتُه ، فإني أنا قتلت الأول قال : فذكرت ذلك لاَدم ، فكأنه لم يكرهه ، فسمّته عبد الحرث ، فذلك قوله : لَئِنْ آتَيْتَنا صَالِحا يقول : شبهنا مثلنا ، فلما آتَاهُمَا صَالِحا قال : شِبْههما مثلهما .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَلَمّا أثْقَلَتْ كبر الولد في بطنها جاءها إبليس ، فخوّفها وقال لها : ما يدريك ما في بطنك ، لعله كلب أو خنزير أو حمار ؟ وما يدريك من أين يخرج ؟ أمن دبرك قيقتلك ، أو من قُبلك ، أو ينشقّ بطنك فيقتلك ؟ فذلك حين دَعَوَا اللّهَ رَبّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صَالِحا يقول : مثلنا ، لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عن آدم وحوّاء أنهما دعوا الله ربهما بحمل حَوّاء ، وأقسما لئن أعطاهما في بطن حوّاء صالحا ليكونان لله من الشاكرين . والصلاح قد يشمل معاني كثيرة : منها الصلاح في استواء الخلق . ومنها الصلاح في الدين ، والصلاح في العقل والتدبير . وإذ كان ذلك كذلك ، ولا خبر عن الرسول يوجب الحجة بأن ذلك على بعض معاني الصلاح دون بعض ، ولا فيه من العقل دليل وجب أن يَعُمّ كما عمه الله ، فيقال إنهما قالا لئن آتيتنا صالحا بجميع معاني الصلاح .

وأما معنى قوله : لَنَكُونَنّ مِنَ الشاكِرِينَ فإنه لنكوننّ ممن يشكرك على ما وهبت له من الولد صالحا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (189)

{ هو الذي خلقكم من نفس واحدة } هو آدم . { وجعل منها } من جسدها من ضلع من أضلاعها ، أو من جنسها كقوله : { جعل لكم من أنفسكم أزواجا } . { زوجها } حواء . { ليسكن إليها } ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه ، وإنما ذكر الضمير ذهابا إلى المعنى ليناسب . { فلما تغشّاها } أي جامعها . { حملت حملا خفيفا } خف عليها ولم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالبا من الأذى ، أو محمولا خفيفا وهو النطفة . { فمرّت به } فاستمرت به أي قامت وقعدت ، وقرئ { فمرت } بالتخفيف وفاستمرت به وفمارت من المور وهو المجيء والذهاب ، أو من المرية أي فظنت الحمل وارتابت منه . { فلما أثقلت } صارت ذات ثقل بكبر الولد في بطنها . وقرئ على البناء للمفعول أي أثقلها حملها . { دعوا الله ربهما لئن آتينا صالحا } ولدا سويا قد صلح بدنه . { لنكونن من الشاكرين } لك على هذه النعمة المجددة .