الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (189)

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعني آدم ( عليه السلام ) { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } خلق منها حواء { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } يستأنس إليها ويأوي إليها لقضاء حاجته { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } واقعها وجامعها { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } وهو ماء الرجل خفيف عليها { فَمَرَّتْ } أي استمرت { بِهِ } وقامت وقعدت ولم تكترث بحملها ، يدل عليه قراءة ابن عباس : فاستمرت به .

وقال قتادة : ( فمرّت به ) أي استبان حملها . وقرأ يحيى بن يعمر ( فمرت ) خفيفة الراء من لمرية أي : شكّت أحملت أم لا ؟ { فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ } أي كبر الولد في بطنها وتحرك وصارت ذات ثقل بحملها كما يقال : أثمر إذا صار ذا ثمر { دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا } يعني آدم وحواء { لَئِنْ آتَيْتَنَا } ياربنا { صَالِحاً } .

قال الحسن : غلاماً ذكراً . وقال الآخرون : بشراً سويّاً مثلنا { لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } وذلك أنهما أشفقا أن يكون بهما أو شيئاً سوى آدمي أو غير سوي .

قال الكلبي : إن إبليس أتى حواء في صورة رجل لما أثقلت في أول ما حملت فقال : ما هذا الذي في بطنك قالت : ما أدري ، قال : إني أخاف أن يكون بهيمة ، فقالت ذلك لآدم ، فلم يزالا في نِعَم من ذلك ثمّ عاد إليها فقال : إني من الله [ منزّل ] فإن دعوت الله فولدت انساناً [ أتسميّنه فيّ ] قالت : نعم ، قال : فإنّي أدعو الله فأتاها وقد ولدت فقال : سميه باسمي ، فقالت : وما اسمك ؟ قال : الحارث ، ولو سمّى نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث .

وقال سعيد بن جبير : لما هبط آدم وحواء ( عليهما السلام ) الأرض أُلقيت الشهوة في نفس آدم فأصابها فحملت فلما تحرك ولدها في بطنها جاءها إبليس فقال ما هذا [ ماترين ] في الأرض إلاّ ناقة أو بقرة أو ضاينة أو [ كاجزة ] أو نحوها فما يدريك ما في بطنك لعله كلب أو خنزير أو حمار وما يدريك من أين يخرج أمن دبرك فيقتلك أو أذنك أو عينيك أو فيك أو يشق بطنك فيقتلك ، فخافت حواء من ذلك قال : فأطيعيني وسميه عبد الحرث . وكان اسمه في الملائكة الحرث ، تلدين شبيهكما مثلكما ، فذكرت ذلك لأدم فقال : لعلّه صاحبنا الذي قد علمت ، فعاودها إبليس فلم يزل بهما حتّى غرهما فسمّياه عبد الحرث .

قال السدي : ولدت حواء غلاماً فأتاها إبليس فقال سموه بي وإلاّ قتلته ، قال له آدم : قد أطعتك فأخرجتني من الجنّة ، فأبى أن يطيعه فمات الغلام ، فحملت بآخر فلما ولدته قال لهما مثل ذلك فأبيا أن يطيعاه ، فمات الولد ، فحملت بآخر فأتاهما وقال لهما : إذ غلبتماني فسمياه عبد الحرث ، وكان اسم إبليس الحرث .

ولم يشعروا به فوالله لا أزال أقتلهم حتّى تسمياه عبد الحرث . كما قتلت الأول والثاني فسمياه عبد الحرث فعاش .

وقال ابن عباس : كانت حواء تلد لآدم فتسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن ونحو ذلك فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس فقال : إن [ وعدتكما ] أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحرث فولدت ابناً فسمياه عبد الحرث ففيهما أنزل الله عزّ وجلّ { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً }