الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (189)

قوله تعالى : { حَمْلاً } : المشهور أن الحَمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة ، وبالكسر ما كان على ظهر أو رأس [ غير ] شجرة . وحكى أبو سعيد في حمل المرأة : حِمْل وحَمْل . وحكى يعقوب في حمل النخلة الكسرة . والحمل في الآية يجوز أن يرادَ به المصدرُ فينتصبَ انتصابَه ، وأن يُراد به نفسُ الجنين ، وهو الظاهر ، فينتصبَ انتصابَ المفعول به كقولك : حَمَلْت زيداً .

قوله : { فَمَرَّتْ } الجمهورُ على تشديد الراء ومعناه : استمرت به ، أي : قامَتْ وقعدت . وقيل : هو على القلب ، أي : فمرَّ بها ، أي استمر ودام .

وقرأ ابن عباس وأبو العالية ويحيى بن يعمر وأيوب " فَمَرَتْ " خفيفةَ الراء ، وفيها تخريجان ، أحدهما : أن أصلها التشديد ، ولكنهم كرهوا التضعيف في حرف مكرر فتركوه ، وهذا كقراءة " وقَرْن " بفتح القاف إذا جَعَلْناه من القرار . والثاني : أنه من المِرْية وهو الشك ، أي : فشكَّتْ بسببه أهو حَمْل أم مرض ؟

وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاص والجحدري : " فمارَتْ " بألف وتخفيف الراء . وفيها أيضاً وجهان ، أحدهما : أنها مِنْ مار يمور ، أي جاء وذهب ، ومارَتِ الريح ، أي : جاءت وذهبَتْ وتصرَّفَتْ في كل وجه ، ووزنه حينئذ فَعَلَتْ والأصل مَوَرَتْ ، ثم قُلبت الواو ألفاً فهو كطافَتْ تطوف . والثاني : أنها من المِرْية أيضاً قاله الزمخشري وعلى هذا فوزنه فاعَلَت والأصل : مارَيَتْ كضارَبَتْ ، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فَقُلِبَ ألفاً ، ثم حُذِفَتْ لالتقاء الساكنين فهو كبارَتْ ورامت .

وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن عباس أيضاً والضحاك " فاسْتَمَرَّتْ به " وهي واضحة . وقرأ أُبَيّ " فاستمارَتْ " وفيها الوجهان المتقدمان في " فمارَتْ " ، أي : أنه يجوز/ أن يكون من المِرْية ، والأصل " اسْتَمْرَيَتْ " ، وأن يكون من المَوْر والأصل : استَمْوَرَتْ .

قوله : { أَثْقَلَتْ } ، أي : صارت ذا ثِقل كقولهم : أَلْبَنَ الرجل وأَتْمَرَ ، أي : صار ذا لبنٍ وتمرٍ . وقيل : دخلت في الثقل ، كقولهم : أصبح وأمسى ، أي : دخلَتْ في الصباح والمساء . وقرئ " أُثْقِلَتْ " مبنياً للمفعول .

قوله : { دَّعَوَا اللَّهَ } متعلَّقٌ الدعاء محذوفٌ لدلالة الجملة القسمية عليه ، أي : دَعَواه في أن يُؤتيَهما ولداً صالحاً .

وقوله : { لَئِنْ آتَيْتَنَا } هذا القسمُ وجوابُه فيه وجهان ، أظهرهما : أنه مفسِّرٌ لجملة الدعاء كأنه قيل : فما كان دعاؤهما ؟ كان دعاؤهما كيت وكيت ، ولذلك قلت : إن هذه الجملةَ دالَّةٌ على متعلق الدعاء . والثاني : أنه معمول لقول مضمر تقديره : فقالا : لئن آتيتنا . و " لنكونَنَّ " جوابُ القسم ، وجواب الشرط محذوفٌ على ما تقرَّر . و " صالحاً " فيه قولان أظهرهما : أنه مفعولٌ ثان ، أي : ولداً صالحاً . والثاني وبه قال مكي : أنه نعتُ مصدرٍ محذوف ، أي : إيتاءً صالحاً . وهذا لا حاجةَ إليه لأنه لا بد مِنْ تقدير الموتى لهما .