قوله جلَّت عظمته : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ واحدة . . . } [ الأعراف :189 ] .
قال جمهورُ المفسِّرين : المراد بالنَّفْسِ الواحدة : آدم عليه السلام ، وبقوله : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } حَوَّاء ، وقولُه : { مِنْهَا } هو ما تقدَّمَ ذكْره مِنْ أنَّ آدمَ نام ، فاستخرجت قصرى أضلاعِهِ ، وخُلِقَتْ منها حَوَّاءُ .
وقوله : { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } ، أي : ليأنسَ ، ويطمئنَّ ، وكان هذا كلُّه في الجنة .
ثم ابتدأ بحالةٍ أخرَى ، وهي في الدنيا بعد هبوطهما ، فقال : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } ، أي : غَشِيَها ، وهي كناية عن الجِمَاع ، والحَمْلُ الخفيف : هو المنيُّ الذي تحمله المرأة في رَحِمِهَا .
وقوله : { فَمَرَّتْ بِهِ } أي : استمرت به ، وقرأَ ابنُ عبَّاس : { فاستمرت بِهِ } ، وقرأ ابن مسعود : { فاستمرت بِحَمْلِهَا } ، وقرأ عبد اللَّه بن عمرو بن العاص : { فَمَارَتْ بِهِ } ، أي جاءَتْ به ، وذهَبَتْ ، وتصرَّفَت ، كما تقولُ : مَارَتِ الرِّيحُ مَوْراً ، و{ أَثْقَلَت } : دخلَتْ في الثِّقل ، كما تقول : أصْبَحَ وأمْسَى ، والضمير في قوله { دَّعَوَا } ، على هذا التأويل : عائدٌ على آدم وحوَّاء ، وروي في قصص ذلك ، أن الشيطانَ أشار عَلَى حواء ، أن تُسَمِّيَ هذا المولودَ «عَبْدَ الحَارث » ، وهو اسْمُ إبليسَ ، وقال لها : إِن لم تفعلي قَتَلْتُهُ ، فزعموا أنهما أطاعاه ، حرْصاً علَى حياة المولود ، فهذا هو الشِّرك الذي جَعَلاَ لِلَّهِ ، في التسمية فَقَطْ .
وقال الطبريُّ والسديُّ في قوله : { فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ }[ الأعراف :190 ] كلامٌ منفصلٌ من خَبَرِ آدم وحَوَّاء ، يراد به مشركُو العرب .
( ت ) : وينزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبليس ، ولم أقِفْ بَعْدُ على صحَّة ما رُوِيَ في هذه القِصَصِ ، ولو صَحَّ ، لوجب تأويله .
نَعَمْ ، روى الترمذيُّ عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ ، طَافَ بِهَا إبْلِيسُ ، وكانَ لا يَعيشُ لَهَا وَلَدٌ ، فَقَالَ لَهَا : سَمِّيهِ عَبْدَ الحَارِثِ ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الحَارِثِ ، فَعَاشَ ذَلِكَ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَان ، وأَمْرِهِ ) قال الترمذيُّ : هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ ، انفرد به عُمَرُ بنُ إبراهيم ، عن قَتَادَةَ ، وعمرُ شَيْخٌ بصريٌّ ، انتهى .
وهذا الحديثُ ليس فيه أنهما أطاعاه ، وعلى كلِّ حالٍ : الواجبُ التوقُّفْ ، والتنزيهُ لِمَنْ اجتباه اللَّه ، وحُسْنُ التأويل ما أمكن .
وقد قال ابنُ العربيِّ في توهينِ هذا القَوْل وتزييفِهِ : وهذا القولُ ونحوه مذكُورٌ في ضعيف الحديثِ في الترمذيِّ وغيره ، وفي الإِسرائيليات التي لَيْسَ لها ثباتٌ ، ولا يعوِّل عليها مَنْ له قَلْبٌ ، فإِنَّ آدم وحواء -وإِن كانا غرَّهما باللَّهِ الغَرُورُ- فلا يُلْدَغُ المؤْمِنُ مِنْ حجرٍ مرّتين ، وما كانا بعْدَ ذلك لِيقْبَلاَ له نُصْحاً ، ولا يسمعا له قَوْلاً ، والقولْ الأشبه بالحَقِّ : أن المراد بهذا جنْسُ الآدميين ، انتهى من «الأحكام » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.