فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (189)

قوله : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة } هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نعم الله على عباده وعدم مكافأتهم لها ، مما يجب من الشكر والاعتراف بالعبودية ، وأنه المنفرد بالإلهية . قال جمهور المفسرين : المراد بالنفس الواحدة آدم ، وقوله : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } معطوف على { خَلَقَكُمْ } أي : هو الذي خلقكم من نفس آدم ، وجعل من هذه النفس زوجها ، وهي حواء ، خلقها من ضلع من أضلاعه . وقيل المعنى { جَعَلَ مِنْهَا } من جنسها ، كما في قوله : { جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } والأوّل أولى . { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } علة للجعل : أي جعله منها لأجل يسكن إليها يأنس إليها . ويطمئن بها ، فإن الجنس بجنسه أسكن وإليه آنس . وكان هذا في الجنة ، كما وردت بذلك الأخبار . ثم ابتدأ سبحانه بحالة أخرى كانت بينهما في الدنيا بعد هبوطهما ، فقال : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } ، والتغشي كناية عن الوقاع : أي فلما جامعها { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا } علقت به بعد الجماع ، ووصفه بالخفة لأنه عند إلقاء النطفة أخفّ منه عند كونه علقة ، وعند كونه علقة أخفّ منه عند كونه مضغة ، وعند كونه مضغة أخفّ مما بعده . وقيل : إنه خفّ عليها هذا الحمل من ابتدائه إلى انتهائه ، ولم تجد منه ثقلاً . كما تجده الحوامل من النساء ، لقوله : { فَمَرَّتْ بِهِ } أي : استمرت بذلك الحمل تقوم وتقعد ، وتمضي في حوائجها لا تجد به ثقلاً ، والوجه الأوّل ، لقوله : { فَلَمَّا أَثْقَلَت } فإن معناه : فلما صارت ذات ثقل لكبر الولد في بطنها . وقرئ «فمرت به » بالتخفيف ، أي فجزعت لذلك ، وقرئ «فمارت به » من المور ، وهو المجيء والذهاب . وقيل المعنى : فاستمرّت به . وقد رويت قراءة التخفيف عن ابن عباس ، ويحيى بن يعمر . ورويت قراءة «فمارت » عن عبد الله بن عمر . وروي عن ابن عباس أنه قرأ «فاستمرت به » .

قوله : { دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا } جواب لما : أي دعا آدم وحواء ربهما ومالك أمرهما { لَئِنْ آتَيْتَنَا صالحا } أي : ولداً صالحاً ، واللام جواب قسم محذوف ، و { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشرط ، أي من الشاكرين لك على هذه النعمة . وفي هذا الدعاء دليل على أنهما قد علما أن ما حدث في بطن حواء من أثر ذلك الجماع هو من جنسهما ، وعلما بثبوت النسل المتأثر عن ذلك السبب .

/خ192