التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

المجلد الثالث عشر

تفسير سورة الشورى

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

1- سورة " الشورى " هي السورة الثانية والأربعون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد نزول سورة " فصلت " . وعدد آياتها ثلاث وخمسون آية .

وتسمى –أيضا- سورة [ حم عسق ] ، لافتتاحها بذلك .

والرأي الصحيح أن سورة [ الشورى ] من السور المكية الخالصة . وقيل هي مكية إلا أربع آيات منها تبدأ من قوله –تعالى- : [ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ] .

ولكن هذا القيل لا يعتمد على دليل صحيح ، بل الصحيح أن السورة كلها مكية .

2- وتبدأ سورة الشورى ببيان أن الله –تعالى- قد أوحى إليه نبيه صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى غيره من الأنبياء ، وببيان مظاهر قدرته –عز وجل- ، وأنه –تعالى- قادر على أن يجعل الناس أمة واحدة .

قال –تعالى- : [ ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ، ولكن يدخل من يشاء في رحمته ، والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ] .

3- وبعد أن أنكر –سبحانه- على المشركين إشراكهم ، وساق الأدلة على بطلان هذا الشرك ، وأمر بالرجوع إلى حكم الله –تعالى- فيما اختلفوا فيه .

بعد كل ذلك بين –سبحانه- أن الشريعة التي جاء بها الأنبياء واحدة في جوهرها ، وأن تفرق الناس في عقائدهم ، مرجعه إلى بغيهم وأهوائهم .

قال –تعالى- : [ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، والذي أوحينا إليك ، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ، الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ] .

4- ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر نعم الله –تعالى- على عباده ، عن طريق ما أودع فيهم من عقول : وما أنزله لهم من شرائع ، وما حباهم به من أرزاق . . . ووبخت الكافرين على كفرهم مع كل هذه النعم التي أنعم بها عليهم ، وبينت ما سيكونون عليه يوم القيامة من حسرة وندامة ، وما سيكون عليه المؤمنون الصادقون من فرح وحبور .

قال –تعالى- : [ ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ، ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ، إن الله غفور شكور ] .

5- ثم واصلت السورة حديثها عن مظاهر قدرة الله –تعالى- وعن ألوان نعمه على خلقه ، فتحدثت عن فضله –تعالى- في قبوله لتوبة التائبين ، وعفوه عن سيئاتهم ، وإجابته لدعائهم وإنزاله الغيث عليهم من بعد قنوطهم وبأسهم ، وخلقه السموات والأرض وما فيها من أجل مصلحة الناس ومنفعتهم ، ورعايته لهم وهم في سفنهم داخل البحر .

قال –تعالى- : [ ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام . إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ] .

6- ثم بين –سبحانه- صفات المؤمنين الصادقين ، وأثنى عليهم ثناء عاطرا ، يحمل العقلاء على الاقتداء بهم ، وعلى التحلي بصفاتهم .

قال –سبحانه- : [ والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، وإذا ما غضبوا هم يغفرون . والذين استجابوا لربهم ، وأقاموا الصلاة ، وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون . والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ، وجزاء سيئة سيئة مثلها ، فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين . ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ] .

7- وكعادة القرآن في المقارنة بين عاقبة الأشرار وعاقبة الأخيار ، أتبع القرآن هذه الصفات الكريمة للمؤمنين . ببيان الأحوال السيئة التي سيكون عليها الظالمون يوم القيامة . ودعتهم إلى الدخول في الدين الحق من قبل فوات الأوان .

قال –تعالى- : [ استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ، مالكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير ] .

8- ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة ببيان جانب من مظاهر فضله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال :

[ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض . ألا إلى الله تصير الأمور ] .

9- ومن هذا العرض الإجمالي لآيات سورة الشورى . نراها زاخرة بالحديث عن الأدلة على وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله –تعالى- .

كما نراها زاخرة –أيضا- بالحديث عن نعم الله على عباده ، وعن حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة المكذبين وعن مشاهد يوم القيامة وما فيه من أهوال . وعن شبهات المشركين والرد عليها بما يدحضها .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

المؤلف

د . محمد سيد طنطاوي

11/10/1985

سورة " الشورى " من السور التى افتتحت ببعض حروف التهجى ، وقد سبق أن ذكرنا أن أقرب الأقوال الى الصواب فى المقصود بهذه الحروف ، أنها وردت فى افتتاح بعض السور على سبيل الإِيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن .

فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين فى أن القرآن من عند الله : هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك من أنه منزل من عند الله ، فهاتوا مثله أو عشر سور من مثله ، أو سور من مثله . . فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - :

وقد ذكر بعض المفسرين عند تفسيره لهذه السورة آثارا واهية ، رأينا أن نذكر بعضها للتنبيه على سقوطها .

قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : وقد روى الإِمام ابن جرير ها هنا أثرا غريبا عجيبا منكرا ، فقال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال له - وعنده حذيفة ابن اليمان - أخبرنى عن تفسير قول الله - تعالى - : { حما عاساقا } . فأطرق ابن عباس ثم أعرض عنه .

فقال حذيفة للرجل : أنا أنبئك بها ، قد عرفتُ لم كرهها ؟ نزلت فى رجل من أهل بيته يقال له : " عبد الإِله " أو عبد الله ، ينزل على نهر من أنهار الشرق ، تبنى عليه مدينتان ، يشق النهر بينهما شقا . فإذا أذن الله فى زوال ملكهم . . بعث الله على إحداهما نارا ليلا . . ثم بخسف الله - تعالى - بالأخرى فذلك قوله { حما عاساقا } .

يعنى : عزيمة من الله وفتنة وقضاء حُمَّ { حما } ، وعين ، يعنى عدلا منه ، وسين : يعنى سيكون ، وق ، يعنى : واقع بهاتين المدينتين . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة . وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا منكرا ، فقال : حدثنا أحمد بن زُهَير ، حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدَةَ الحَوْطي ، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، عن أرطاة بن المنذر{[25757]} قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال له - وعنده حُذيفة بن اليمان - : أخبرني عن تفسير قول الله : { حم عسق } قال : فأطرق ثم أعرض عنه ، ثم كرر مقالته فأعرض عنه ، فلم يجبه بشيء وكره مقالته ، ثم كررها الثالثة فلم يُحِرْ إليه شيئا . فقال حذيفة{[25758]} : أنا أنبئك بها ، قد عرفت لم كرهها ؟ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له " عبد الإله " - أو : عبد الله - ينزل على نهر من أنهار المشرق تُبْنَى عليه مدينتان{[25759]} ، يشق النهر بينهما شقا ، فإذا أذن الله في زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم ، بعث الله على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة وقد احترقت ، كأنها لم تكن مكانها ، وتصبح صاحبتها متعجبة : كيف أفلتت ؟ فما هو إلا بياض يومها ذلك ، حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم ، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا ، فذلك قوله : { حم عسق } يعني : عزيمة من الله تعالى وفتنة وقضاء حُمّ : { حم } عين : يعني عدلا منه ، سين : يعني سيكون ، ق : يعني واقع بهاتين المدينتين{[25760]} .

وأغرب منه ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في الجزء الثاني من مسند ابن عباس ، وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ولكن إسناده ضعيف جدا ومنقطع ، فإنه قال :

حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ، حدثنا أبو عبد الملك الحسن بن يحيى الخُشَني الدمشقي ، عن أبي معاوية قال : صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال : أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر { حم عسق } ؟ فوثب ابن عباس فقال : أنا : قال : " { حم } اسم من أسماء الله تعالى " قال : فعين ؟ قال : " عاين المولون عذاب يوم بدر " قال : فسين ؟ قال : " سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " قال : فقاف ؟ فسكت فقام أبو ذر ، ففسر كما قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ، وقال : قاف : قارعة من السماء تغشى الناس {[25761]} .


[25757]:- (1) في ت: "وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا بسنده".
[25758]:- (2) في أ: "فقال له حذيفة".
[25759]:- (3) في ت، م، أ: "مدينتين".
[25760]:- (4) تفسير الطبري (25/5) ورواه نعيم بن حماد في الفتن برقم (568) من طريق أبي المغيرة عن أرطأة بن المنذر عمن حدثه عن ابن عباس فذكره.
[25761]:- (1) ورواه ابن عساكر في تاريخه كما في الدر المنثور (7/336).