هذا وفرعون وملؤه وعامتهم المتبعون للملأ قد استكبروا عن آيات اللّه ، وجحدوا بها ظلما وعلوا ، وقالوا لفرعون مهيجين له على الإيقاع بموسى ، وزاعمين أن ما جاء باطل وفساد : { أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ } بالدعوة إلى اللّه ، وإلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، التي هي الصلاح في الأرض ، وما هم عليه هو الفساد ، ولكن الظالمين لا يبالون بما يقولون .
{ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } أي : يدعك أنت وآلهتك ، وينهى عنك ، ويصد الناس عن اتباعك .
ف { قَالَ } فرعون مجيبا لهم ، بأنه سيدع بني إسرائيل مع موسى بحالة لا ينمون فيها ، ويأمن{[325]} فرعون وقومه - بزعمه - من ضررهم : { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } أي : نستبقيهن فلا نقتلهن ، فإذا فعلنا ذلك أمنا من كثرتهم ، وكنا مستخدمين لباقيهم ، ومسخرين لهم على ما نشاء من الأعمال { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } لا خروج لهم عن حكمنا ، ولا قدرة ، وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة .
وبعد هذا الحديث الذي ساقته السورة عما دار بين موسى وفرعون ، وبين موسى والسحرة ، والذى انتهى بإيمان السحرة برب العالمين بعد ذلك بدأت السورة تحكى لنا ما قاله الملأ من قوم فرعون بعد هزيمتهم المنكرة ، وما قاله موسى - عليه السلام - لقومه بعد أن بلغهم وعيد فرعون وتهديده لهم ، وما رد به قومه عليه مما يدل على سفاهتهم فقالت : { وَقَالَ الملأ . . . . } .
قوله - تعالى - { وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } .
أى : قال الزعماء والوجهاء من قوم فرعون له ، بعد أن أصابتهم الهزيمة والخذلان في معركة الطغيان والإيمان ، قالوا له على سبيل التهييج والإثارة : أتترك موسى وقومه أحراراً آمنين في أرضك ، ليفسدوا فيها بإدخال الناس في دينهم ، أو جعلهم تحت سلطانهم ورياستهم .
روى أنهم قالوا له ذلك بعد أن رأوا عدداً كبيراً من الناس ، قد دخل في الإيمان متبعاً السحرة الذين قالوا { آمَنَّا بِرَبِّ العالمين } وقوله { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } معناه : أتتركهم أنت يعبدون رب موسى وهارون ، ويتركون عبادتك وعبادة آلهتك ، فيظهر للناس عجزك وعجزها ، فتكون الطامة الكبرى التي بها بفسد ملكك .
قال السدى : إن فرعون كان قد صنع لقومه أصناماً صغاراً وأمرهم بعبادتها ، وسمى نفسه الرب الأعلى .
وقال الحسن إنه كان يعبد الكواكب ويعتقد أنها المربية للعالم السفلى كله ، وهو رب النوع الإنسانى .
وقد قرىء { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } بالنصب والرفع أما النصب فعلى أنه معطوف على { لِيُفْسِدُواْ } وأما الرفع فعلى أنه عطف على { أَتَذَرُ } أو على الاستئناف ، أو على أنه حال بحذف المبتدأ أى : وهو يذرك .
والمتأمل في هذا الكلام الذي حكاه القرآن عن الملأ من قوم فرعون ، يراه يطفح بأشد ألوان التآمر والتحريض . فهم يخوفونه فقدان الهيبة والسلطان بتحطيم الأوهام التي يستخدمها السلطان ، لذا نراه يرد عليهم بمنطق الطغاة المستكبرين فيقول : { سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } .
أى : لا تخافوا ولا ترتاعوا أيها الملأ فإن قوم موسى أهون من ذلك ، وسننزل بهم ما كنا نفعله معهم من قبل وهو تقتيل الأبناء ، وترك النساء أحياء ، وإنا فوقهم غالبون كما كنا ما تغير شىء من حالنا ، فهم الضعفاء ونحن الأقوياء ، وهم الأذلة ونحن الأعزة .
فأنت ترى أن ما قاله الملأ من قوم فرعون هو منطق حاشية السوء في كل عهود الطغيان فهم يرون أن الدعوة إلى وحدانية الله إفساد في الأرض ، لأنها ستأتى على بنيانهم من القواعد . ولأنها هى الدعوة إلى وحدانية الله إفساد في الأرض ، لأنها ستأتى على بنيانهم من القواعد . ولأنها هى الدعوة إلى وحدانية الله التي ستحرر الناس من ظلمهم وجبرتهم ، وتفتح العيون على النور الذي يخشاه أولئك الفاسقون .
وترى أن ما قاله فرعون هو منطق الطغاة المستكبرين دائماً . فهم يلجأون إلى قوتهم المادية ليحموا بها آثامهم ، وشهواتهم ، وسلطانهم القائم على الظلم ، والبطش ، والمنافع الشخصية .
ويبلغ موسى وقومه هذا التهديد والوعيد من فرعون وملئه فماذا قال موسى - عليه السلام - ؟ لقد حكى القرآن عنه أنه لم يحفل بهذا التهديد بل أوصى قومه بالصبر ، ولوح لهم بالنصر .
يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه ، وما أظهروه{[12022]} لموسى ، عليه السلام ، وقومه من الأذى والبغضة : { وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ } أي : لفرعون { أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ } أي : أتدعهم ليفسدوا في الأرض ، أي : يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك ، يالله للعجب ! صار{[12023]} هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه ! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون ؛ ولهذا قالوا : { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } قال بعضهم : " الواو " هنا حالية ، أي : أتذره وقومه يفسدون وقد ترك عبادتك ؟
وقرأ ذلك أُبيّ بن كعب : " وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك " ، حكاه ابن جرير .
وقال آخرون : هي عاطفة ، أي : لا تدع موسى يصنع هو وقومه من الفساد ما قد أقررتهم{[12024]} عليه وعلى تركه آلهتك .
وقرأ بعضهم : " إلاهتك " أي : عبادتك ، ورُوي ذلك عن ابن عباس ومجاهد .
وعلى القراءة الأولى قال بعضهم : كان لفرعون إله يعبده . قال الحسن البصري : كان لفرعون إله يعبده في السر . وقال في رواية أخرى : كان له{[12025]} جُمَانة في عنقه معلقة يسجد لها .
وقال السدي في قوله تعالى : { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } وآلهته ، فيما زعم ابن عباس ، كانت البقر ، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم فرعون أن يعبدوها ، فلذلك أخرج لهم عجلا جسدا .
فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله : { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } وهذا أمر ثان بهذا الصنيع ، وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى ، عليه السلام ، حذرا من وجوده ، فكان خلاف ما رامه وضدّ ما قصده فرعون . وهكذا عومل في صنيعه [ هذا ]{[12026]} أيضا ، إنما أراد قهر بني إسرائيل وإذلالهم ، فجاء الأمر على خلاف ما أراد : نصرهم الله عليه وأذله ، وأرغم أنفه ، وأغرقه وجنوده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.