1- سورة " النبأ " هي أول سورة في الجزء الأخير من القرآن الكريم ، وتسمى –أيضا- بسورة " عم يتساءلون " وبسورة " عم " ، وبسورة " المعصرات " ، وبسورة " التساؤل " ، فهذه خمسة أسماء لهذه السورة ، سميت بها لورود هذه الألفاظ فيها .
2- وهي من السور المكية الخالصة ، وعدد آياتها أربعون آية في المصحف الكوفي والمكي ، وإحدى وأربعون في غيرهما . وكان نزولها بعد سورة " المعارج " ، وقبل سورة " النازعات " .
3- وهذه السورة من أهم مقاصدها : توبيخ المشركين على خوضهم في القرآن الكريم بدون علم ، وتهديدهم بسوء المصير إذا ما استمروا في طغيانهم ، وإقامة الأدلة المتنوعة على وحدانية الله –تعالى- وعلى مظاهر قدرته ، وبيان ما أعده –سبحانه- للكافرين من عذاب ، وما أعده للمتقين من ثواب ، وإنذار للناس بوجوب تقديم العمل الصالح من قبل أن يأتي يوم القيامة ، الذي لا ينفع فيه الندم على ما فات .
4- ويبلغ عدد سور هذا الجزء الأخير من القرآن الكريم سبعا وثلاثين سورة ، كلها مكية ، سوى سورتي " البينة والنصر " وكلها تمتاز بقصرها ، على تفاوت في هذا القصر ، ومعظمها مشتمل على إقامة الأدلة على وحدانية الله –تعالى- ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله . وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى المقارنة بين حسن عاقبة الأخيار ، وسوء عاقبة الأشرار ، وعلى التذكير المتكرر بأهوال يوم القيامة ، وبأنه آت لا ريب فيه ، وعلى التحذير من الغفلة عن الاستعداد له ، وعلى الإفاضة في بيان نعم الله –تعالى- على الناس ، وعلى بيان ما حل بالمكذبين السابقين من دمار . .
كل ذلك بأسلوب بديع معجز ، تخشع له القلوب ، وتتأثر به النفوس ، وتقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم . .
لفظ " عم " مركب من كلمتين ، هما حرف الجر " عن " و " ما " التى هى اسم استفهام ، فأصل هذا اللفظ : " عن ما " فأدغمت النون فى الميم لأن الميم تشاركها فى الغنة وحذف الألف ليتميز الخبر عن الاستفهام . والجار والمجرور متعلق بفعل " يتساءلون " .
والتساؤل : تفاعل من السؤال ، بمعنى أن يسأل بعض الناس بعضا عن أمر معين ، على سبيل معرفة وجه الحق فيه ، أو على سبيل التهكم .
والنبأ : الخبر مطلقا ، ويرى بعضهم أنه الخبر ذو الفائدة العظيمة .
والمعنى : عن أى شئ يتساءل هؤلاء المشركون ؟ وعن أى أمر يسأل بعضهم بعضا ؟ إنهم يتساءلون عن النبأ العظيم ، والخبر الهام الذى جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم ، والذى نطق به القرآن الكريم ، من أن البعث حق ، ومن أن هذا القرآن الكريم من عند الله - تعالى - ومن أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يأمرهم به أو ينهاهم عنه .
وافتتح - سبحانه - الكلام بأسلوب الاستفهام ، لتشويق السامع إلى المستفهم عنه ، ولتهويل أمره ، وتعظيم شأنه .
والضمير فى قوله { يتساءلون } يعود إلى المشركون ، الذين كانوا يكثرون من التساؤل فيما بينهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، عما جاء به من عند ربه ، فقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الحسن قال : لما بعث النبى صلى الله عليه وسلم جعلوا يتساءلون فيما بينهم - عن أمره وعما جاءهم به - فنزل قوله - تعالى - : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ . عَنِ النبإ العظيم . . } .
وصح عود الضمير إليهم مع أنهم لم يسبق لهم ذكر ، لأنهم معرفون من السياق ، إذ هم - دون غيرهم - الذين كانوا يتساءلون فيما بينهم - على سبيل التهكم - عما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم .
وقوله - تعالى - : { عَنِ النبإ العظيم } تهويل لشأن هذا الأمر الذى يتساءلون فيما بينهم عنه ، ووصف - سبحانه - النبأ بالعظم ، زيادة فى هذا التهويل والتفخيم من شأنه ، لكى تتوجه إليه أذهانهم ، وتلتفت إليهم أفهامهم .
فكأنه - سبحانه - يقول : عن أى شئ يسأل هؤلاء الجاحدون بعضهم بعضا ؟ أتريدون أن تعرفوا ذلك على سبيل الحقيقة ؟ ما بين منكر له إنكارا تاما ، كما حكى - سبحانه - عنهم فى قوله : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } وما بين مترد فى شأنه ، كما حكى - سبحانه - عن بعضهم فى قوله : { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا الساعة إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } قال صاحب الكشاف قوله : { عم } أصله عما ، على أنه حرف جر ، دخل على ما الاستفهامية .
ومعنى هذا الاستفهام : تفخيم الشأن ، كأنه قال : عن أى شئ يتساءلون . ونحوه ما فى قولك : زيد ما زيد ؟ جعلته لانقطاع قرينه ، وعدم نظيره ، كأنه شئ خفى عليك جنسه . فأنت تسأل عن جنسه ، وتفحص عن جوهره ، كما تقول : ما الغول وما العنقاء . . ؟
و { يَتَسَآءَلُونَ } يسأل بعضهم بعضا . . والضمير لأهل مكة ، فقد كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث .
وقوله : { عَنِ النبإ العظيم } بيان للشأن المفخم .
فإن قلت : قد زعمت أن الضمير فى { يَتَسَآءَلُونَ } للكفار ، فما تصنع بقوله : { الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } ؟ قلت : كان فيهم من يقطع القول بإنكار البعث ، ومنهم من يشك .
وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين جميعا ، وكانوا جميعا يسألون عنه ، أما المسلم فليزداد خشية واستعدادا ، وأما الكافر فليزداد استهزاء . .
يقول تعالى منكرًا على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكارًا لوقوعها : { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } أي : عن أي شيء يتساءلون ؟ من أمر القيامة ، وهو النبأ العظيم ، يعني : الخبر الهائل المفظع الباهر .
قال قتادة ، وابن زيد : النبأ العظيم : البعث بعد الموت . وقال مجاهد : هو القرآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.