تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

وقال مثبتا لكمال عقله ورزانته { سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا } وسيأتي نصه { فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } أي استأخر غير بعيد { فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } إليك وما يتراجعون به

فذهب به فألقاه عليها فقالت لقومها { إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } أي جليل المقدار من أكبر ملوك الأرض

ثم بينت مضمونه فقالت { إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي : لا تكونوا فوقي بل اخضعوا تحت سلطاني ، وانقادوا لأوامري وأقبلوا إلي مسلمين .

وهذا في غاية الوجازة مع البيان التام فإنه تضمن نهيهم عن العلو عليه ، والبقاء على حالهم التي هم عليها والانقياد لأمره والدخول تحت طاعته ، ومجيئهم إليه ودعوتهم إلى الإسلام ، وفيه استحباب ابتداء الكتب بالبسملة كاملة وتقديم الاسم في أول عنوان الكتاب ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

وقوله - تعالى - : { اذهب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ } بيان لما أمر به سليمان - عليه السلام - الهدهد ، بعد أن قال له : سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين .

أى : خذ - أيها الهدهد - كتابى هذا . فاذهب به إلى هؤلاء القوم من أهل سبأ ، { ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } أى : ثم انصرف عنهم إلى مكان قريب منهم { فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ } أى : فتأمل ماذا يقول بعضهم لبعض ، وبماذا يراجع بعضهم بعضاً ، ثم أخبرنى بذلك .

قال ابن كثير : وذلك أن سليمان - عليه السلام - كتب كتاباً إلى بلقيس وقومها ، وأعطاه لذلك الهدهد فحمله . . . وذهب به إلى بلادهم ، فجاء فى قصر بقليس . إلى الخلوة التى كانت تختلى فيها بنفسها ، فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها . ثم تولى ناحية أدبا ، فتحريت مما رأت . وهالها ذلك ، ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ، ففتحت ختمه وقرأته . . " .

وقال صاحب الكشاف : " فإن قلت : لم قال : فألقه إليهم . على لفظ الجمع ؟ قلت : لأنه قال : { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ } فقال : فألقهِ إلى الذين هذا دينهم ، اهتماماً منه بأمر الدين ، واشتغالاً به عن غيره . وبنى الخطاب فى الكتاب على لفظ الجمع لذلك " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

15

ولا يتسرع سليمان في تصديقه أو تكذيبه ؛ ولا يستخفه النبأ العظيم الذي جاءه به . إنما يأخذ في تجربته ، للتأكد من صحته . شأن النبي العادل والملك الحازم :

( قال : سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين . اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ، ثم تول عنهم ، فانظر ماذا يرجعون ) .

ولا يعلن في هذا الموقف فحوى الكتاب ، فيظل ما فيه مغلقا كالكتاب نفسه ، حتى يفتح ويعلن هناك . وتعرض المفاجأة الفنية في موعدها المناسب !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

وأمر بكتاب فكتب وحمله إياه وأمره بإلقائه إلى القوم والتولي بعد ذلك ، وقال وهب بن منبه أمره بالتولي حسن أدب ، ليتنحى حسبما يتأدب به مع الملوك بمعنى وكن قريباً حتى ترى مراجعاتهم ، وقال ابن زيد : أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه أي ألقه وارجع .

قال وقوله { فانظر ماذا يرجعون } في معنى التقديم على قوله { ثم تول } .

قال القاضي أبو محمد : واتساق رتبه الكلام أظهر أي «ألقه ثم تول » وفي خلال ذلك { فانظر } وإنما أراد أن يكل الأمر إلى علم ما في الكتاب دون أن تكون للرسول ملازمة ولا إلحاح .

وقرأ نافع «فألقِه » بكسر الهاء ، وفرقة «فألقهُ » بضمها ، وقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي بإشباع ياء بعد الكسرة في الهاء ، وروى عنه ورش بياء بعد الهاء في الوصل ، وقرأ قوم بإشباع واو بعد الضمة ، وقرأ البزي عن أبي عمرو وعاصم وحمزة «فألقهْ » بسكون الهاء{[9015]} ، وروي عن وهب بن منبه في قصص هذه الآية أن الهدهد وصل فألفى دون هذه الملكة حجب جدرات فعمد إلى كوة كانت بلقيس صنعتها لتدخل منها الشمس عن طلوعها لمعنى عبادتها إياها فدخل منها ورمى الكتاب على بلقيس وهي فيما يروى نائمة ، فلما انتبهت وجدته فراعها وظنت أنه قد دخل عليها أحد ثم قامت فوجدت حالها كما عهدته فنظرت إلى الكوة تهمماً بأمر الشمس فرأت الهدهد فعلمت أمره ثم جمعت أهل ملكها وعلية قومها فخاطبتهم بما يأتي بعد .


[9015]:في قوله تعالى: {إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم} دليل على إرسال الكتب إلى المشركين من الإمام يبلغهم الدعوة ويدعوهم إلى الإسلام، وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى الإسلام.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

الجملة مبيِّنة لجملة { سننظر أصدقت أم كنتَ من الكاذبين } [ النمل : 27 ] لأن فيما سينكشف بعد توجيه كتابه إلى ملكة سبأ ما يصدق خبر الهدهد إن جاء من الملكة جواب عن كتابه ، أو يكذب خبر الهدهد إن لم يجىء منها جواب . ألهم الله سليمان بحكمته أن يجعل لاتصاله ببلاد اليمن طريقَ المراسلة لإدخال المملكة في حيّز نفوذه والانتفاع باجتلاب خيراتها وجعلها طريق تجارة مع شرق مملكته فكتب إلى ملكة سبأ كتاباً لتأتيَ إليه وتدخلَ تحت طاعته وتُصلح ديانة قومها ، وليعلَم أن الله ألقى في نفوس الملوك المعاصرين له رهبةً من ملكه وجلباً لمرضاته لأن الله أيّده وإن كانت مملكته أصغر من ممالك جيرانه مثل مملكة اليمن ومملكة مصر . وكانت مملكة سليمان يومئذ محدودة بالأُردن وتخوم مصر وبحر الروم . ولم يزل تبادل الرسائل بين الملوك من سنة الدول ومن سنة الدعاة إلى الخير . وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر . وقَد عظُم شأن الكتابة في دول الإسلام ، قال الحريري في « المقامة الثانية والعشرين » : « والمنشىءُ جهنية الأخبار ، وحقيبة الأسرار ، وقلمه لسان الدولة ، وفارس الجَولة . . . » إلخ .

واتخذ للمراسلة وسيلة الطير الزاجل من حَمام ونحوه ، فالهدهد من فصيلة الحَمام وهو قابل للتدجين ، فقوله : { اذهب بكتابي هذا } يقتضي كلاماً محذوفاً وهو أن سليمان فكر في الاتصال بين مملكته وبين مملكة سبأ فأحضر كتاباً وحمَّله الهدهد .

وتقدم القول على ( ماذا ) عند قوله تعالى : { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم } في سورة النحل ( 24 ) . وفعل { انظر } معلق عن العمل بالاستفهام .

والإلقاء : الرمي إلى الأرض . وتقدم في قوله تعالى : { وألقُوه في غيابات الجب } في سورة يوسف ( 10 ) وهو هنا مستعمل إمّا في حقيقته إن كان شأن الهدهد أن يصل إلى المكان فيرميَ الكتاب من منقاره ، وإما في مجازه إن كان يدخل المكان المرسل إليه فيتناول أصحابه الرسالة من رجله التي تربط فيها الرسالة فيكون الإلقاء مثل قوله : { فألْقَوا إليهم القول إنكم لكاذبون } في سورة النحل ( 86 ) .

والمراد بالرَّجع : رَجع الجواب عن الكتاب ، أي من قبول أو رفض . وهذا كقوله الآتي : { فانظري ماذا تأمرين } [ النمل : 33 ] .