تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

قال تعالى : { وَكَذَلِكَ } أي : بهذه الأسباب والمقدمات المذكورة ، { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ } في عيش رغد ، ونعمة واسعة ، وجاه عريض ، { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ } أي : هذا من رحمة الله بيوسف التي أصابه بها وقدرها له ، وليست مقصورة على نعمة الدنيا .

{ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } ويوسف عليه السلام من سادات المحسنين ، فله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، ولهذا قال : { وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

هذا ، وقوله - سبحانه - { وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض . . . } بيان لسنة الله - تعالى - في خلقه ، من كونه - سبحانه - لا يضيع أجر الصابرين المحسنين أى : ومثل هذا التمكين العظيم . مكنا ليوسف في أرض مصر ، بعد أن مكث في سجنها بضع سنين ، لا لذنب اقترفه ، وإنما لاستعصامه بأمر الله .

وقوله { يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ } تفصيل للتمكين الذي منحه الله - تعالى - ليوسف في أرض مصر ، والتبوؤ اتخاذ المكان للنزول به . يقال : بوأ فلان فلانا منزلاً . أى مكنه منه وأنزله به أي : ومثل هذا التمكين العظيم ، مكنا ليوسف في أرض مصر ، حيث هيأنا له أن يتنقل في أماكنها ومنازلها حيث يشاء له التنقل ، دون أن يمنعه مانع من الحلول في أى مكان فيها .

فالجملة الكريمة كناية عن قدرته على التصرف والتنقل في جميع أرض مصر ، كما يتصرف ويتنقل الرجل في منزله الخاص .

وقوله : { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ . . . } بيان لكمال قدرته ونفذا إرادته - سبحانه - أى نصيب برحمتنا وفضلنا وعطائنا من نشاء عطاءه من عبادنا بمقتضى حكمتنا ومشيئتنا .

{ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين } الذين يتقنون أداء ما كلفهم الله بأدائه ، بل نوفيهم أجورهم على إحسانهم في الدنيا قبل الآخرة إذا شئنا ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

54

ثم نعود بعد هذا الاستطراد إلى صلب القصة وإلى صلب السياق . إن السياق لا يثبت أن الملك وافق . فكأنما يقول : إن الطلب تضمن الموافقة ! زيادة في تكريم يوسف ، وإظهار مكانته عند الملك . فيكفي أن يقول ليجاب ، بل ليكون قوله هو الجواب . . ومن ثم يحذف رد الملك ، ويدع القاريء يفهم أنه أصبح في المكان الذي طلبه .

ويؤيد هذا الذي نقوله تعقيب السياق :

( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء . ولا نضيع أجر المحسنين . . ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ) . .

فعلى هذا النحو من إظهار براءة يوسف ، ومن إعجاب الملك به ، ومن الاستجابة له فيما طلب . . على هذا النحو مكنا ليوسف في الأرض ، وثبتنا قدميه ، وجعلنا له فيها مكانا ملحوظا . والأرض هي مصر . أو هي هذه الأرض كلها باعتبار أن مصر يومذاك أعظم ممالكها .

( يتبوأ منها حيث يشاء ) . .

يتخذ منها المنزل الذي يريد ، والمكان الذي يريد ، والمكانة التي يريد . في مقابل الجب وما فيه من مخاوف ، والسجن وما فيه من قيود .

( نصيب برحمتنا من نشاء ) . .

فنبدله من العسر يسرا ، ومن الضيق فرجا ، ومن الخوف أمنا ، ومن القيد حرية ، ومن الهوان على الناس عزا ومقاما عليا .

( ولا نضيع أجر المحسنين ) . .

الذين يحسنون الإيمان بالله ، والتوكل عليه ، والاتجاه إليه ، ويحسنون السلوك والعمل والتصرف مع الناس . . هذا في الدنيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

وقوله تعالى : { وكذلك مكنا ليوسف } الآية ، الإشارة بذلك إلى ما تقدم من جميل صنع الله به كهذه الفعال المنصوصة ، درجناه في الرتب ونقلناه فمكنا له في الأرض .

قال القاضي أبو محمد : فروي أن العزيز مات في تلك الليالي ، وقال ابن إسحاق : بل عزله الملك ثم مات أطفير ، فولاه الملك مكانه وزوجه زوجته ، فلما دخلت عليه عروساً قال لها : أليس هذا خيراً مما كنت أردت ؟ فقالت له : أيها الصديق كنت في غاية الجمال ، وكنت شابة عذراء ، وكان زوجي لا يطأ ، فغلبتني نفسي في حبك ، فدخل يوسف بها فوجدها بكراً ، وولدت له ولدين . وروي أن الملك عزل العزيز ، وولاه موضعه ، ثم عظم ملك يوسف وتغلب على حال الملك أجمع ، قال مجاهد : وأسلم الملك آخر أمره ، ودرس أمر العزيز وذهبت دنياه ، ومات وافتقرت زوجته ، وزمنت وشاخت ، فلما كان في بعض الأيام . لقيت يوسف في طريق ، والجنود حوله ووراءه ، وعلى رأسه بنود عليها مكتوب { هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ، وسبحان الله ، وما أنا من المشركين }{[6734]} [ يوسف : 108 ] فصاحت به وقالت : سبحان من أعز العبيد بالطاعة ، وأذل الأرباب بالمعصية ، فعرفها ، وقالت له : تعطف عليَّ وارزقني شيئاً فدعاها وكلمها ، وأشفق لحالها ، ودعا الله تعالى ، فرد عليها جمالها وتزوجها .

قال القاضي أبو محمد : وروي في نحو هذا من القصص ما لا يوقف على صحته ، ويطول الكلام بسوقه . وقرأ الجمهور : { حيث يشاء } على الإخبار عن يوسف ؛ وقرأ ابن كثير وحده { حيث نشاء } بالنون على ضمير المتكلم . أي حيث يشاء الله من تصرف يوسف على اختلاف تصرفه ، وحكى أبو حاتم هذه القراءة عن الحسن وشيبة ونافع وأبي جعفر بخلاف عن الثلاثة المدنيين ؛ وقال أبو علي : إما أن يكون تقدير هذه القراءة : حيث يشاء من المحاريب والمتعبدات وأحوال الطاعات ، فهي قرب يريدها الله ويشاؤها ؛ وإما أن يكون معناها : حيث يشاء يوسف ، لكن أضاف الله عز وجل المشيئة التي ليوسف إليه من حيث هو عبد من عبيده ، وكانت مشيئته بقدرة الله تعالى وقوته كما قال : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }{[6735]} [ الأنفال : 17 ] .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله من أبي علي نزعة اعتزالية ، وتحفظ من أن أفعال العباد من فاعلين ، فتأمله .

واللام في قوله : { مكنا ليوسف } يجوز أن تكون على حد التي في قوله { ردف لكم }{[6736]} [ النمل : 72 ] و { للرؤيا تعبرون }{[6737]} [ يوسف : 43 ] . وقوله : { يتبوأ } في موضع نصب على الحال ، و { حيث يشاء } نصب على الظرف أو على المفعول به ، كما قال الشماخ : حيث تكوى النواحز{[6738]} . وباقي الآية بين .


[6734]:الآية (108) من سورة (يوسف).
[6735]:من الآية (17) من سورة (الأنفال).
[6736]:من قوله تعالى في الآية (72) من سورة (النمل): {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون}.
[6737]:من الآية (43) من سورة (يوسف).
[6738]:هذا جزء من بيت، وهو بتمامه: وجلاها عن ذي الأراكة عامر أخو الحضر يرمي حيث تكوى النواحز ذو الأراكة: موضع من اليمامة لبني عجل مشهور بكثرة نخيله، وجلاها: أخرجها وأبعدها، وعامر أخو الحضر: قانص مشهور، والحضر: سرعة جري الفرس، ومثله الإحضار، ولكن الحضر هو الاسم، والإحضار هو المصدر، وعامر هذا كان سريع العدو حتى قيل عنه: أخو الحضر، والنواحز: الإبل التي بها نحاز، والنحاز داء يأخذ الدواب والإبل في رئاتها فتسعل سعالا شديدا، ودواؤها هو الكي في جنوبها أو أصول أعناقها، وقد روى: النحائز، والحزاحز والجزائز.