تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

وإنما ذلك كله بيد الله { الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى } بعد ذلك { عَلَى الْعَرْشِ } الذي هو سقف المخلوقات وأعلاها وأوسعها وأجملها { الرَّحْمَنِ } استوى على عرشه الذي وسع السماوات والأرض باسمه الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء فاستوى على أوسع المخلوقات ، بأوسع الصفات . فأثبت بهذه الآية خلقه للمخلوقات واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم وعلوه فوق العرش ومباينته إياهم .

{ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } يعني بذلك نفسه الكريمة فهو الذي يعلم أوصافه وعظمته وجلاله ، وقد أخبركم بذلك وأبان لكم من عظمته ما تستعدون به من معرفته فعرفه العارفون وخضعوا لجلاله ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

{ الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا } من هواء وأجرام لا يعلمها إلا هو - سبحانه - .

{ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } من أيامه التى لا يعلم مقدار زمانها إلا هو - عز وجل - { ثُمَّ استوى عَلَى العرش } استواء واستعلاء يليق بذاته ، بلا كيف أو تشبيه أو تمثيل ، كما قال الإمام مالك - رحمه الله - : الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . ولفظ " ثم " فى قوله { ثُمَّ استوى عَلَى العرش } لا يدل على الترتيب الزمنى وإنما يدل على بعد الرتبة ، رتبة الاستواء والاستعلاء والتملك .

وقوله : { الرحمن } أى : هو الرحمن . أى : صاحب الرحمة العظيمة الدائمة بعباده . والفاء فى قوله - تعالى - : { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } هى الفصيحة . والجار والمجرور صلة " اسأل " وعدى الفعل " اسأل " بالباء لتضمنه معنى الاعتناء ، والضمير يعود إلى ما سبق ذكره من صفات الله - تعالى - ، ومن عظيم قدرته ورحمته .

والمعنى : لقد بينا لك مظاهر قدرتنا ووحدانيتا ، فإن شئت الزيادة فى هذا الشأن أو غيره ، فسأل قاصدا بسؤالك ربك الخبير بأحوال كل شىء خبرة مطلقة ، يستوى معها ما ظهر من أمور الناس وما خفى منها .

قال الإمام ابن جرير : وقوله - تعالى - : { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } يقول : فاسأل يا محمد بالرحمن خبيرا بخلقه ، فإنه خالق كل شىء ولا يخفى عليه ما خلق ، فعن ابن جريج : قوله : { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } . قال : يقول - سبحانه - لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إذا أخبرتك شيئا فاعلم أنه كلما أخبرتك فأنا الخبير . والخبير فى قوله { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } منصوب على الحال من الهاء التى فى قوله { بِهِ } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

45

وفي معرض الخبرة المطلقة والقدرة على الجزاء يذكر خلق الله للسماوات والأرض ، واستعلاءه على العرش :

الذي خلق السماوات والأرص وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، الرحمن ، فاسأل به خبيرا . .

وأيام الله التي خلق فيها السماوات والأرض غير أيامنا الأرضية قطعا . فإنما أيامنا هذه ظل للنظام الشمسي ، ومقياس لدورة فلكية وجدت بعد خلق السماوات والأرض . وهي مقيسة بقدر دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس . والخلق لا يقتضي إلا توجه الإرادة الإلهية المرموز له بلفظة : ( كن )فتتم الكينونة( فيكون ) . ولعل هذه الأيام الستة من أيام الله التي لا يعلم مقدارها إلا هو - إنما تمت فيها أطوار متباعدة في السماوات والأرض حتى انتهت إلى وضعها الحالي . أما الاستواء على العرش فهو معنى الاستعلاء والسيطرة ولفظ( ثم )لا يدل على الترتيب الزمني إنما يدل على بعد الرتبة . رتبة الاستواء والاستعلاء .

ومع الاستعلاء والسيطرة الرحمة الكبيرة الدائمة : ( الرحمن ) . . ومع الرحمة الخبرة : ( فاسأل به خبيرا )الخبرة المطلقة التي لا يخفى عليها شيء . فإذا سألت الله ، فإنما تسأل خبيرا ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

{ الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن } قد سبق الكلام فيه ، ولعل ذكره زيادة تقرير لكونه حقيقا بأن يتوكل عليه من حيث إنه الخالق للكل والمتصرف فيه ، وتحريض على الثبات والتأني في الأمر فإنه تعالى مع كمال قدرته وسرعة نفاذ أمره في كل مراد خلق الأشياء على تؤدة وتدرج ، و{ الرحمن } خبر للذي إن جعلته مبتدأ ولمحذوف إن جعلته صفة للحي ، أو بدل من المستكن في { استوى } وقرىء بالجر صفة للحي . { فسئل به خبيرا } فاسأل عما ذكر من الخلق والاستواء عالما يخبرك بحقيقته وهو الله تعالى ، أو جبريل أو من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقك فيه ، وقيل الضمير { للرحمن } والمعنى إن أنكروا إطلاقه على الله تعالى فاسأل عنه من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا مجيء ما يرادفه في كتبهم ، وعلى هذا يجوز أن يكون { الرحمن } مبتدأ والخبر ما بعده والسؤال كما يعدى بعن لتضمنه معنى التفتيش يعدى بالياء لتضمنه معنى الاعتناء . وقيل إنه صلة { خبيرا } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

أجريت هذه الصلة وصفاً ثانياً ل { الحي الذي لا يموت } [ الفرقان : 58 ] لاقتضائها سعة العلم وسعة القدرة وعظيم المجد ، فصاحبها حقيق بأن يُتوكل عليه ويفوض أمر الجزاء إليه . وهذا تخلّص إلى العود إلى الاستدلال على تصرف الله تعالى بالخلق .

وتقدم الكلام على خلق السماوات والأرض في ستة أيّام في سورة البقرة ، وعلى الاستواء في سورة الأعراف .

و { الرحمان } خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الرحمان . وهذا من حذف المسند إليه الغالب في الاستعمال عندما تتقدم أخبار أو أوصاف لصاحبها ، ثم يُراد الإخبار عنه بما هو إفصاح عن وصف جامع لما مضى أو أهم في الغرض مما تقدمه ، فإن وصف الرحمن أهم في الغرض المسوق له الكلام وهو الأمر بالتوكل عليه فإنه وصف يقتضي أنه يدبر أمور من توكل عليه بقوي الإسعاف .

وفرع على وصفه ب { الرحمان } قوله { فسئل به خبيراً } للدلالة على أن في رحمته من العظمة والشمول ما لا تفي فيه العبارة فيعدل عن زيادة التوصيف إلى الحوالة على عليم بتصاريف رحمته مُجرب لها مُتلقّ أحاديثها ممن عَلِمها وجرّبها .

وتنكير { خبيراً } للدلالة على العُموم ، فلا يظن خبيراً معيناً ، لأن النكرة إذا تعلق بها فعل الأمر اقتضت عموماً بدليل أيّ خبير سألته أعلمك .

وهذا يجري مجرى المثل ولعله من مبتكرات القرآن نظير قول العرب : « على الخبير سقطتَ » يقولها العارف بالشيء إذا سُئِل عنه . والمَثلان وإن تساويا في عدد الحروف المنطوق بها فالمثَل القرآني أفصحُ لسلامته من ثقل تلاقي القاف والطاء والتاء في ( سقطت ) . وهو أيضاً أشرف لسلامته من معنى السقوط ، وهو أبلغ معنى لما فيه من عموم كل خبير ، بخلاف قولهم : على الخبير سقطتَ ، لأنها إنما يقولها الواحد المعيَّن . وقريب من معنى { فسئل به خبيراً } قول النابغة :

هلا سألت بني ذبيان ما حسبي *** إذا الدخان تغشى الأشمط البرما

إلى قوله :

يخبرك ذو عرضهم عني وعالمهم *** وليس جاهلُ شيء مثلَ مَن علما

والباء في { به } بمعنى ( عن ) أي فاسأل عنه كقول علقمة :

فإن تسأُلوني بالنساء فإنني *** خبير بأدواء النساء طبيب

ويجوز أن تكون الباء متعلقة ب { خبيراً } وتقديم المجرور للرعي على الفاصلة وللاهتمام ، فله سببان .