جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

{ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى{[3640]} عَلَى الْعَرْشِ } ، قد مر في سورة الأعراف تفصيل معناه ، { الرَّحْمَنُ } ، خبر الذي أو خبر محذوف ، ويكون الذي صفة للحي ، { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا{[3641]} } أي : سل ما ذكر من الخلق والاستواء عالما يخبرك ومن أعلم من الله ؟ أو المراد سل جبريل ، وقيل : أهل الكتاب ليصدقك فيه ، والسؤال يعدى بالباء لتضمنه معنى الاعتناء ، أو به متعلق بخبير ،


[3640]:قوله تعالى: ثم استوى على العرش قال مجاهد: استوى على العرش: علا العرش، وقال أبو العالية: استوى إلى السماء ارتفع نقل القولين البخاري في صحيحه ووقعا من النسخة الأحمدية في صفحة 1103، وقال ابن جرير {ثم استوى على العرش الرحمن}، أي: علا وارتفع وقال في تفسير قوله: ثم استوى على العرش في كل موضعه أي: علا وارتفع نقله الذهبي في كتاب العلو / 12 قال الحافظ العلامة شمس الدين ابن القيم رحمه الله في خطبة النونية: فإن قيل: ما تقولون في مسألة الاستواء، قيل نقول فيها ما قال ربنا تبارك وتعالى وما قاله نبينا – صلى الله عليه وسلم- نصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل، بل نثبت له سبحانه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات وننفي عنه النقائص والعيوب، ومشابهة المخلوقات إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل، فمن شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه أو ما وصفه به رسوله تشبيها فالمشبه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والموحد يعبد إلها واحدا صمدا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والكلام في الصفات كالكلام في الذات، فلما أنا نثبت ذاتا لا تشبه الذوات فكذا نقول في صفاته إنها لا تشبه الصفات، فليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فلا نشبه صفات الله بصفات المخلوقين، ولا نزيل عنه سبحانه صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين، وتقليب المفترين، كما أنا لا نبغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسمية الروافض لنا نواصب، ولا نكذب بقدر الله ولا نجحد كمال مشيئته وقدرته لتسمية القدرية لنا بجبرية، فلا نجحد صفات ربنا تبارك وتعالى لتسمية الجهمية والمعتزلة لنا مجسمة مشبهة حشوية إلى أن قال: ونقول: إن الله فوق سماواته مستويا على عرشه بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وإنه سبحانه إليه يصعد الكلم الطيب، وتعرج الملائكة والروح إليه، وإنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه وإن المسيح رفع بذاته إلى الله وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج به إلى الله حقيقة وإن أرواح المؤمنين تصعد إلى الله عند الوفاة فتعرض عليه وتقف بين يديه وإنه تعالى هو القاهر فوق عباده وهو العلي الأعلى، وإن المؤمنين والملائكة المقربون يخافون ربهم من فوقهم وإن أيدي السائلين ترفع إليه وحوائجهم تعرض عليه وإن الله سبحانه العلي الأعلى بكل اعتبار انتهى.
[3641]:بالرحمن فإن أهل الكتاب يعرفون ما يراد به في كتبهم وإن قريشا أنكروا إطلاقه على الله / 12 وجيز.