الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

قوله : { الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ } : يجوزُ فيه على قراءةِ العامَّةِ في " الرحمنُ " بالرفع أوجهٌ ، أحدُها : أن يكونَ مبتدأ و " الرحمنُ " خبره ، وأَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مقدرٍ أي : هو الذي خَلَقَ ، وأَنْ يكونَ منصوباً بإضمارِ فعلٍ ، وأَنْ يكونَ صفةً للحيِّ الذي لا يموت أو بدلاً/ أو بياناً . وأمَّا على قراءةِ زيدِ بن علي " الرحمنِ " بالجرِّ فيتعيَّن أَنْ يكونَ " الذي خلق " صفةً للحيِّ فقط ؛ لئلا يُفْصَلَ بين النعتِ ومنعوتِه بأجنبيّ .

قوله : { الرَّحْمَنُ } مَنْ قرأ بالرفعِ ففيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه خبرُ " الذي خَلَق " وقد تقدَّم . أو يكونُ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي : هو الرحمنُ ، أو يكونُ بدلاً من الضمير في " استوى " أو يكونُ مبتدأ ، وخبرُه الجملةُ مِنْ قولِه { فَسْئَلْ بِهِ } على رأيِ الأخفش . كقوله :

وقائلةٍ خَوْلانُ فانكِحْ فتاتَهُمْ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أو يكونُ صفةً للذي خلق ، إذا قلنا : إنه مرفوعٌ . وأمَّا على قراءةِ زيدٍ فيتعيَّن أَْن يكونَ نعتاً .

قوله : " به " في الباء قولان : أحدهما : هي على بابِها ، وهي متعلقةٌ بالسؤالِ . والمرادُ بالخبير اللهُ تعالى ، ويكونُ مِنَ التجريدِ ، كقولك : لقيت به أَسَداً . والمعنى : فاسألِ اللهَ الخبيرَ بالأشياء . قال الزمخشري : " أو فاسْأَلْ بسؤالِه خبيراً ، كقولك : رأيتُ به أسداً أي : برؤيتِه " انتهى . ويجوزُ أَنْ تكونَ الباءُ صلةً " خبيراً " و " خبيراً " مفعول " اسْأَلْ " على هذا ، أو منصوبٌ على الحالِ المؤكِّدة . واستضعفه أبو البقاء . قال " ويَضْعُفُ أَنْ يكونَ خبيراً حالاً مِنْ فاعل " اسألْ " لأنَّ الخبيرَ لا يُسْأل إلاَّ على جهةِ التوكيد كقوله : { وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً } [ البقرة : 91 ] ثم قال : " ويجوز أَنْ يكونَ حالاً من " الرحمن " إذا رَفَعْتَه ب استوى . والثاني : أن تكونَ الباءُ بمعنى " عن " : إمَّا مطلقاً ، وإمَّا مع السؤالِ خاصةً كهذه الآيةِ الكريمةِ وكقولِ الشاعر :

فإنْ تَسْأَلُوني بالنِّساءِ . . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

البيت . والضميرُ في " عنه " للهِ تعالى و " خبيراً " من صفاتِ المَلَكِ وهو جبريلُ عليه السلام . ويجوز على هذا أعني كونَ " خبيراً " من صفاتِ جبريل أَنْ تكونَ الباءُ على بابِها ، وهي متعلقةٌ ب " خبيراً " كما تقدَّم أي : فاسْأَلِ الخُبَراء به .