تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

55

59-{ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمان فاسأل به خبيرا } .

هذه الآية كالتعليل لما قبلها ، فقد أمر الله تعالى بالتوكل عليه سبحانه وتسبيحه وتحميده ، وذكر إحاطة علمه بكل شيء ، ثم ذكر في هذه الآية جانبا من قدرته التي لا حدود لها ، فقال : { الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام . . } .

فهو سبحانه الذي أبدع الكون على غير مثال سابق ، وإذا أراد أمرا قال له كن فيكون ، لكنه أراد أن يعلمنا الصبر ، ومراعاة سنن الفطرة وسنن الكون ، فخلق الكون في ستة أيام ، وهذه الأيام ليست كأيام الدنيا ، حيث لم يكن في ذلك الوقت شمس أو قمر أو ليل أو نهار ، بل المراد : في ست مراحل ، واليوم أحيانا يطلق على مدة طويلة مثل : يوم ذي قار ، ويوم بعاث ، ويوم وقعة عمورية ، ويوم البسوس .

وفي القرآن الكريم : { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } [ الحج : 47 ]

وقال عز شأنه : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } [ المعارج : 4 ]

لقد كان الكون كرة ملتهبة ، كما تشير نظرية السديم ، ثم قذفت الكرة ، وانفصلت السماء وارتفعت ، وانفصلت الأرض وصارت كالبساط المفروش ، وكان بينهما الهواء والفضاء ، وتم ذلك في مراحل طويلة متباعدة ، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن السماء والأرض كانتا ملتصقتين ، ففتقهما الله ، حيث رفع السماء وبسط الأرض ، وسخر السحاب والهواء ، وبعد بلايين السنين ، أمكن أن تكون الأرض صالحة للحياة عليها ، حيث أمطرت السماء ، وأنبتت الأرض ، وجرى بينهما الهواء والفضاء ، واستعد الكون لوجود خليفة في الأرض ، لاستعمارها وزراعتها واستثمار خيراتها .

قال تعالى : { أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون } [ الأنبياء : 30 ] .

قال المفسرون : الرتق ضد الفتق ، أي : كانت السماء صماء لا تمطر ، والأرض رتقاء لا تنبت ، ففتق الله السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالنبات ، وأجرى بينهما الفضاء والهواء ، والخلق والوجود ، ويفيد العلم الحديث أن عمر الكون يقرب من ستة بلايين سنة ، قبل أن يخلق فيه الإنسان ، وأن عمر الكون 13 بليون سنة إلى الآن .

فلعل المراد بخلق الكون في ستة أيام ، أن الله خلق الكون في مدد ومراحل متتابعة تقارب ستة بلايين سنة ، حيث كان الكون ملتهبا ، ثم هدأت السماوات والأرض ، في فترات ومراحل ، هي ست مراحل أو ستة أيام ، وقد تكرر ذلك في آيات القرآن الكريم ، ومرّ تفسير ذلك في شرح الآية " 30 " من سورة الأنبياء وما بعدها .

{ ثم استوى على العرش . . }

أي : استوى على ملك الكون مع الاستعلاء والسيطرة ، استواء يليق بعظمته كما يقول السلف ، أو استولى وملك وسيطر كما يقول الخلف .

وهو سبحانه يدبر الأمر ، ويقضي بالحق وهو خير الفاصلين ، ولفظ : ثم ، لا يدل على الترتيب الزمني ، إنما يدل على بعد الرتبة . . رتبة الاستواء والاستعلاء .

{ الرحمان فاسأل به خبيرا }

أي : مع الخلق والقدرة سعة الرحمة والعطف ، والخبرة المطلقة ، التي لا يخفى عليها شيء ، فإذا سألت الله فإنما تسأل خبيرا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .

وقيل : المعنى : اسأل عن الله وصفاته وكماله خبيرا ، من رسول أو عالم ، ثم اتبعه واقتد به ، فلا أحد أعلم بالله من الله ، ولا أحد أعلم بالله وكماله من رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

وقيل : المعنى : فاسأل عنه علماء أهل الكتاب ، فلديهم الخبرة عن صفاته وكمالاته .