البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} (59)

{ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا }

وتقدم الكلام في نظير هذا الكلام واحتمل { الذي } أن يكون صفة للحي الذي لا يموت .

ويتعين على قراءة زيد بن عليّ { الرحمن } بالجر وأما على قراءة الجمهور { الرحمن } بالرفع فإنه يحتمل أن يكون { الذي } صفة للحي و { الرحمن } خبر مبتدأ محذوف .

ويحتمل أن يكون { الذي } مبتدأ و { الرحمن } خبره .

وأن يكون { الذي } خبر مبتدأ محذوف ، و { الرحمن } صفة له .

أو يكون { الذي } منصوباً على إضمار أعني ويجوز على مذهب الأخفش أن يكون { الرحمن } مبتدأ .

و { فاسأل } خبره تخريجه على حد قول الشاعر :

وقائلة خولان فانكح فتاتهم . . .

وجوزوا أيضاً في { الرحمن } أن يكون بدلاً من الضمير المستكن في { استوى } .

والظاهر تعلق به بقوله { فاسال } وبقاء الباء غير مضمنة معنى عن .

و { خبيراً } من صفات الله كما تقول : لقيت بزيد أسداً ولقيت بزيد البحر ، تريد أنه هو الأسد شجاعة ، والبحر كرماً .

والمعنى أنه تعالى اللطيف العالم الخبير والمعنى { فاسأل } الله الخبير بالأشياء العالم بحقائقها .

وقال ابن عطية : و { خبيراً } على هذا منصوب إما بوقوع السؤال ، وإما على الحال المؤكدة .

كما قال { وهو الحق مصدقاً } وليست هذه الحال منتقلة إذا الصفة العلية لا تتغير انتهى .

وبني هذا الإعراب على أنه كما تقول : لو لقيت فلاناً للقيت به البحر كرماً أي لقيت منه .

والمعنى { فاسأل الله } عن كل أمر وكونه منصوباً على الحال المؤكدة على هذا التقدير لا يصح إنما يصح أن يكون مفعولاً به ، ويجوز أن تكون الباء بمعنى عن ، أي { فاسأل } عنه { خبيراً } كما قال الشاعر :

فإن تسألوني بالنساء فإنني *** بصير بأدواء النساء طبيب

وهو قول الأخفش والزجاج .

ويكون { خبيراً } ليس من صفات الله هنا ، كأنه قيل : اسأل عن الرحمن الخبراء جبريل والعلماء وأهل الكتب المنزلة ، وإن جعلت { به } متعلقاً بخبيراً كان المعنى { فاسأل } عن الله الخبراء به .

وقال الكلبي معناه { فاسأل } خبيراً به و { به } يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش ، وذلك الخبير هو الله تعالى لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق ذلك فلا يعلمها إلاّ الله .

وعن ابن عباس : الخبير جبريل وقدم لرؤوس الآي .

وقال الزمخشري : الباء في { به } صلة سل كقوله { سأل سائل بعذاب } كما يكون عن صلته في نحو { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } أو صلة { خبيراً } به فتجعل { خبيراً } مفعولاً أي ، فسل عنه رجلاً عارفاً يخبرك برحمته ، أو فسل رجلاً خبيراً به وبرحمته ، أو فسل بسؤاله خبيراً .

كقولك ، رأيت به أسداً أي رأيت برؤيته ، والمعنى إن سألته وجدته خبيراً بجعله حالاً عن به تريد فسل عنه عالماً بكل شيء .

وقيل : { الرحمن } اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه .

فقيل : فسل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى يعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون : ما نعرف الرحمن إلاّ الذي في اليمامة يعنون مسيلمة ، وكان يقال له رحمن اليمامة انتهى .