تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

ولكن أكثر الناس غافلون ، ولهذا قال : { لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } أي : يقال للمعرض المكذب يوم القيامة هذا الكلام ، توبيخًا ، ولومًا وتعنيفًا أي : لقد كنت مكذبًا بهذا ، تاركًا للعمل له فالآن { كشفنا عَنْكَ غِطَاءَكَ } الذي غطى قلبك ، فكثر نومك ، واستمر{[827]} إعراضك ، { فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } ينظر ما يزعجه ويروعه ، من أنواع العذاب والنكال .

أو هذا خطاب من الله للعبد ، فإنه في الدنيا ، في غفلة{[828]}  عما خلق له ، ولكنه يوم القيامة ، ينتبه ويزول عنه وسنه ، ولكنه في وقت لا يمكنه أن يتدارك الفارط ، ولا يستدرك الفائت ، وهذا كله تخويف من الله للعباد ، وترهيب ، بذكر ما يكون على المكذبين ، في ذلك اليوم العظيم .


[827]:- كذا في ب، وفي أ: ودام.
[828]:- كذا في ب، وفي أ: أنه في غفلة في الدنيا.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

ثم يقال للكافر فى هذا اليوم العصيب : { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ } تامة { مِّنْ هذا } الذى تعانيه اليوم وتشاهده { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ } أى : فأنزلنا عنك فى هذا اليوم تلك الغفلة التى كانت تحجبك عن الاستعداد لهذا اليوم بالإِيمان والعمل الصالح .

{ فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ } أى : فبصرك ونظرك فى هذا اليوم نافذ قوى ، تستطيع أن تبصر به ما كنت تنكره فى الدنيا ، من البعث والحساب والثواب والعقاب .

يقال : فلان حديد البصر ، إذا كان شيدد الإِبصار بحيث ترى أكثر مما يراه غيره .

وهكذا نرى أن هذه الآيات الكريمة ، قد بينت بأسلوب بليغ مؤثر ، شمول علم الله - تعالى - لكل شئ ، كما بينت حالة الإِنسان يوم القيامة ، يوم تأتى كل نفس ومعها سائق وشهيد . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

16

وفي هذا الموقف العصيب يقال له : ( لقد كنت في غفلة من هذا . فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) . . قوي لا يحجبه حجاب ، وهذا هو الموعد الذي غفلت عنه ، وهذا هو الموقف الذي لم تحسب حسابه ، وهذه هي النهاية التي كنت لا تتوقعها . فالآن فانظر . فبصرك اليوم حديد !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

وحكى ابن جرير ثلاثة أقوال في المراد بهذا الخطاب في قوله : { لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }

أحدها : أن المراد بذلك الكافر . رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وبه يقول الضحاك بن مزاحم وصالح بن كيسان .

والثاني : أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر ؛ لأن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة والدنيا كالمنام . وهذا اختيار ابن جرير ، ونقله عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس .

والثالث : أن المخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم . وبه يقول زيد بن أسلم ، وابنه . والمعنى على قولهما : لقد كنت في غفلة من هذا الشأن {[27309]} قبل أن يوحى إليك ، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك ، فبصرك اليوم حديد .

والظاهر من السياق خلاف هذا ، بل الخطاب مع الإنسان من حيث هو ، والمراد بقوله : { لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } يعني : من هذا اليوم ، { فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } أي : قوي ؛ لأن كل واحد يوم القيامة يكون مستبصرا ، حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة ، لكن لا ينفعهم ذلك . قال الله تعالى : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } [ مريم : 38 ] ، وقال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] .


[27309]:- (2) في أ: "القرآن".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

وقوله : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يقول تعالى ذكره : يقال له : لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الأنسان من الأهوال والشدائد فَكَشَفْنا عَنْكَ غطاءَكَ يقول : فجلينا ذلك لك ، وأظهرناه لعينيك ، حتى رأيته وعاينته ، فزالت الغفلة عنك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وإن اختلفوا في المقول ذلك له ، فقال بعضهم : المقول ذلك له الكافر . وقال آخرون : هو نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : هو جميع الخلق من الجنّ والإنس . ذكر من قال : هو الكافر .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ وذلك الكافر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ قال : للكافر يوم القيامة .

حدثنا ابن حُميَد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان فَكَشَفْنا عَنْك غِطاءَكَ قال : في الكافر . ذكر من قال : هو نبيّ الله صلى الله عليه وسلم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : لقد كنت في غفلة من هذا الأمر يا محمد ، كنت مع القوم في جاهليتهم فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ .

وعلى هذا التأويل الذي قاله ابن زيد يجب أن يكون هذا الكلام خطابا من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه كان في غفلة في الجاهلية من هذا الدين الذي بعثه به ، فكشف عنه غطاءه الذي كان عليه في الجاهلية ، فنفذ بصره بالإيمان وتبيّنه حتى تقررّ ذلك عنده ، فصار حادّ البصر به . ذكر من قال : هو جميع الخلق من الجنّ والإنس .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهريّ ، قال : سألت عن ذلك الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، فقال : يريد به البرّ والفاجر ، فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكُ اليَوْمَ حَدِيدٌ قال : وكُشِف الغطاء عن البرّ والفاجر ، فرأى كلّ ما يصير إليه . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ قال : الحياة بعد الموت .

حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ قال : عاين الاَخرة .

وقوله : فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ يقول : فأنت اليوم نافذ البصر ، عالم بما كنت عنه في الدنيا في غفلة ، وهو من قولهم : فلان بصير بهذا الأمر : إذا كان ذا علم به ، وله بهذا الأمر بصر : أي علم .

وقد رُوي عن الضحاك إنه قال : معنى ذلك فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ لسان الميزان ، وأحسبه أراد بذلك أن معرفته وعلمه بما أسلف في الدنيا شاهد عدل عليه ، فشبّه بصره بذلك بلسان الميزان الذي يعدل به الحقّ في الوزن ، ويعرف مبلغه الواجب لأهله عما زاد على ذلك أو نقص ، فكذلك علم من وافى القيامة بما اكتسب في الدنيا شاهد عليه كلسان الميزان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

{ لقد كنت في غفلة من هذا } على إضمار القول والخطاب { لكل نفس } إذ ما من أحد إلا وله اشتغال ما عن الآخرة أو للكافر . { فكشفنا عنك غطاءك } الغطاء الحاجب لأمور المعاد وهو الغفلة ، والانهماك في المحسوسات والإلف بها وقصور النظر عليها . { فبصرك اليوم حديد } نافذ لزوال المانع للأبصار . وقيل الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام والمعنى : كنت في غفلة من أمر الديانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن ، { فبصرك اليوم حديد } ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون . ويؤيد الأول قراءة من كسر التاء والكافات على خطاب النفس .