تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّلۡأَبۡرَارِ} (198)

وأما المتقون لربهم ، المؤمنون به- فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها }

فلو قدر أنهم في دار الدنيا ، قد حصل لهم كل بؤس وشدة ، وعناء ومشقة ، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم ، والعيش السليم ، والسرور والحبور ، والبهجة نزرا يسيرا ، ومنحة في صورة محنة ، ولهذا قال تعالى : { وما عند الله خير للأبرار } وهم الذين برت قلوبهم ، فبرت أقوالهم وأفعالهم ، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرا عظيما ، وعطاء جسيما ، وفوزا دائما .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّلۡأَبۡرَارِ} (198)

ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة المؤمنين إثر بيانه لسوء عاقبة الكافرين فقال : { لَكِنِ الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا } .

وافتتحت الآية الكريمة بحرف " لكن " الذى معناه الاستدراك ، لأن مضمونها ضد الكلام الذى قبلها . ولكى تكون هناك مقابلة بين عاقبة المشركين الفجار وبين عاقبة المؤمنين الأخيار .

والمعنى : هذا هو شأن الكافرين يتقلبون فى البلاد لفترة قصيرة من الزمان هيى مدة حياتهم فى هذه الدنيا الفانية ثم يتركون كل شىء عند موتهم ليلاقوا مصيرهم المحتوم وهو عذاب جهنم الذى لا ينقطع . . . لكن الذين اتقوا ربهم وخافوا مقامه ونهوا أنفسهم عن الهوى ليسوا كذلك فقد أعد الله لهم جنات تجرى من تحت قصورها وأشجارها الأنهار المليئة بأنواع المشارب الطيبة اللذيذة ، وهم خالدون فى تلك الجنات خلودا أبديا لا انقطاع له ولا زوال .

. . فأين مصير أولئك ، الأشرار من مصير هؤلاء الأخيار ؟

فالآية الكريمة بيان لكمال حسن حال المؤمنين ، إثر بيان سوء عاقبة الكافرين .

ثم قال - تعالى - { نُزُلاً مِّنْ عِندِ الله وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } .

والنزل : ما يعد للنزيل والضيف لإكرامه والحفاوة به من طعام وشراب وغيرهما . وهو منصوب على أنه حال من " جنات " لتخصيصها بالوصف ، والعامل فيه ما فى الضرف من معنى الاستقرار .

أى لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها حالة كون هذه الجنات منزلا مهيئاً لهم من عند الله - تعالى - على سبيل الإكرام لهم ، والتشريف لمنزلتهم .

وقوله { وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } أى ما عند الله من نعيم مقيم لعباده المتقين خير مما يتقلب فيه الكافرون من المتاع القليل الزائل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّلۡأَبۡرَارِ} (198)

180

وفي مقابل المتاع القليل الذاهب جنات . وخلود . وتكريم من الله :

( جنات تجري من تحتها الأنهار ) . . ( خالدين فيها ) . . ( نزلا من عند الله ) . . ( وما عند الله خير للأبرار ) . .

وما يشك أحد يضع ذلك النصيب في كفة ، وهذا النصيب في كفة ، أن ما عند الله خير للأبرار . وما تبقى في القلب شبهة في أن كفة الذين اتقوا أرجح من كفة الذين كفروا في هذا الميزان . وما يتردد ذو عقل في اختيار النصيب الذي يختاره لأنفسهم أولو الألباب !

إن الله - سبحانه - في موضع التربية ، وفي مجال إقرار القيم الأساسية في التصور الإسلامي لا يعد المؤمنين هنا بالنصر ، ولا يعدهم بقهر الأعداء ، ولا يعدهم بالتمكين في الأرض ، ولا يعدهم شيئا من الأشياء في هذه الحياة . . مما يعدهم به في مواضع أخرى ، ومما يكتبه على نفسه لأوليائه في صراعهم مع أعدائه .

إنه يعدهم هنا شيئا واحدا . هو ( ما عند الله ) . فهذا هو الأصل في هذه الدعوة . وهذه هي نقطة الانطلاق في هذه العقيدة : التجرد المطلق من كل هدف ومن كل غاية ، ومن كل مطمع - حتى رغبة المؤمن في غلبة عقيدته وانتصار كلمة الله وقهر أعداء الله - حتى هذه الرغبة يريد الله أن يتجرد منها المؤمنون ، ويكلوا أمرها إليه ، وتتخلص قلوبهم من أن تكون هذه شهوة لها ولو كانت لا تخصها !

هذه العقيدة : عطاء ووفاء وأداء . . فقط . وبلا مقابل من أعراض هذه الأرض ، وبلا مقابل كذلك من نصر وغلبة وتمكين واستعلاء . . ثم انتظار كل شيء هناك !

ثم يقع النصر ، ويقع التمكين ، ويقع الاستعلاء . . ولكن هذا ليس داخلا في البيعة . ليس جزءا من الصفقة . ليس في الصفقة مقابل في هذه الدنيا . وليس فيها إلا الأداء والوفاء والعطاء . . والابتلاء . .

على هذا كانت البيعة والدعوة مطاردة في مكة ؛ وعلى هذا كان البيع والشراء . ولم يمنح الله المسلمين النصر والتمكين والاستعلاء ؛ ولم يسلمهم مقاليد الأرض وقيادة البشرية ، إلا حين تجردوا هذا التجرد ، ووفوا هذا الوفاء :

قال محمد بن كعب القرظي وغيره : قال عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - لرسول الله [ ص ] يعني ليلة العقبة [ ونقباء الأوس والخزرج يبايعونه [ ص ] على الهجرة إليهم ] : اشترط لربك ولنفسك ما شئت . فقال : " أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا . وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . قال : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : " الجنة " . . قالوا : ربح البيع . ولا نقيل ولا نستقيل . . هكذا . . " الجنة " . . والجنة فقط ! لم يقل . . النصر والعز والوحدة . والقوة . والتمكين . والقيادة . والمال . والرخاء - مما منحهم الله وأجراه على أيديهم - فذلك كله خارج عن الصفقة !

وهكذا . . ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل . . لقد أخذوها صفقة بين متبايعين ؛ أنهي أمرها ، وأمضي عقدها . ولم تعد هناك مساومة حولها !

وهكذا ربى الله الجماعة التي قدر أن يضع في يدها مقاليد الأرض ، وزمام القيادة ، وسلمها الأمانة الكبرى بعد أن تجردت من كل أطماعها ، وكل رغباتها ، وكل شهواتها ، حتى ما يختص منها بالدعوة التي تحملها ، والمنهج الذي تحققه ، والعقيدة التي تموت من أجلها . فما يصلح لحمل هذه الأمانة الكبرى من بقي له أرب لنفسه في نفسه ، أو بقيت فيه بقية لم تدخل في السلم كافة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّلۡأَبۡرَارِ} (198)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم بين منازل المؤمنين في الآخرة، فقال سبحانه: {لكن الذين اتقوا ربهم} وحدوا ربهم، {لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} لا يموتون، كان ذلك {نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار}، يعني المطيعين.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني بذلك جل ثناؤه: {لَكِنِ الّذِينَ اتّقَوْا رَبّهُمْ}: لكن الذين اتقوا الله بطاعته، واتباع مرضاته، في العمل بما أمرهم به، واجتناب ما نهاههم عنه. {لَهُمْ جَنّاتٌ} يعني: بساتين، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهَارُ خالِدِينَ فِيها} يقول: باقين فيها أبدا، {نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللّهِ} يعني: إنزالاً من الله إياهم فيها أنزلهموها... وقوله: {مِنْ عِنْدِ اللّهِ} يعني: من قبل الله، ومن كرامة الله إياهم، وعطاياه لهم. وقوله: {وَما عِنْدَ اللّهِ خيْر للأَبْرَارِ} يقول: وما عند الله من الحياة والكرامة، وحسن المآب خير للأبرار مما يتقلب فيه الذين كفروا فإن الذي يتقلبون فيه زائل فان، وهو قليل من المتاع خسيس، وما عند الله خير من كرامته للأبرار، وهم أهل طاعته، باق غير فانٍ ولا زائل.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

وقوله {نزلا} النزل: ما يهيأ للضيف، ومعناه هاهنا الجزاء والثواب..

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{نزلاً}: معناه تكرمة... وقوله تعالى: {وما عند الله خير للأبرار} يحتمل أن يريد: خير مما هؤلاء فيه من التقلب والتنعم، ويحتمل أن يريد: خير مما هم فيه في الدنيا...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد أتبعه بالوعد بالنزل، والنزل ما يهيأ للضيف وقوله: {لكن الذين اتقوا ربهم} يتناول جميع الطاعات، لأنه يدخل في التقوى الاحتراز عن المنهيات، وعن ترك المأمورات. واحتج بعض أصحابنا بهذه الآية على الرؤية لأنه لما كانت الجنة بكليتها نزلا، فلا بد من الرؤية لتكون خلعة، ونظيره قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا}

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

ثم بين تعالى في مقابلة ذلك مأوى المؤمنين ليعلموا أنهم في القسمة غير مغبونين فقال: (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله) قالوا إن بيان النزل ما يهيأ للضيف النازل وقيل: أول ما يهيأ له وخصه الراغب بالزاد... وإذا كانت الجنات نزلا وهي النعيم الجسماني فلا جرم يكون التعميم الروحاني رضوان الله الأكبر أعظم من الجنة ونعيمها أضعافا مضاعفة. وقد وعدهم هذا الجزاء على التقوى التي يتضمن معناها ترك المعاصي وفعل الطاعات. ثم أشار إلى أن النعيم الروحاني يكون بمحض الفضل والإحسان للأبرار فقال: (وما عند الله) من الكرامة الزائدة على هذا النزل الذي هو بعض ما عنده وأول ما يقدمه لعباده المتقين (خير للأبرار) وأفضل مما يتقلب فيه الذين كفروا من متاع فان، بل ومما يحظى به المتقون من نزل الجنان. وهذا الذي قلناه أولى من القول بأن ما عند الله للأبرار هو عين ذلك النزل الذي قال إنه من عنده، لأن نكتة وضع المظهر وهو قوله تعالى: (وما عند الله) موضع المضمر الذي كان ينبغي أن يعبر به لو كان هذا عين ذاك تظهر على هذا ظهورا لا تكلف فيه. وبه ينجلي الفرق بين الذين اتقوا وبين الأبرار، فإن الأبرار جمع بار أو بر وهو المتصف بالبر الذي بيّنه الله تعالى في سورة البقرة بقوله: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر) [البقرة: 175] وقد أشرنا إليه في آيات الدعاء القريبة (راجعه ثانية في ج 2 تفسير) فشرح البر بما ذكر في تلك الآية يؤيد ما ذكره الراغب من أنه مشتق من البر (بالفتح) المقابل للبحر وأنه يقيد التوسع في فعل الخير فهو إذا أدل على الكمال من التقوى التي هي عبارة عن ترك أسباب السخط والعقوبة، وتحصل بترك المحرمات وفعل الفرائض من غير توسع في نوافل الخيرات. وذكر جزاء المؤمنين بقسميهم – الذين اتقوا والأبرار – بلفظ الاستدراك للتنصيص على ما ذكرناه من المقابلة بينهم وبين الذين كفروا كما قلنا.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

في الآية إيماء إلى أن النازلين فيها ضيوف عند ربهم يحفهم بلطفه و يخصهم بكرمه و جوده و هذه الجنات نعيم جسماني لهم و هناك نعيم روحاني أعطاه الله بمحض الفضل و الإحسان و إليه الإشارة بقوله: {وما عند الله خير للأبرار} أي وما عنده من الكرامة فوق ما تقدم خير و أفضل يتقلب فيه الذين كفروا من المتاع القليل الفاني.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وفي مقابل المتاع القليل الذاهب جنات. وخلود. وتكريم من الله:

(جنات تجري من تحتها الأنهار).. (خالدين فيها).. (نزلا من عند الله).. (وما عند الله خير للأبرار)..

وما يشك أحد يضع ذلك النصيب في كفة، وهذا النصيب في كفة، أن ما عند الله خير للأبرار. وما تبقى في القلب شبهة في أن كفة الذين اتقوا أرجح من كفة الذين كفروا في هذا الميزان. وما يتردد ذو عقل في اختيار النصيب الذي يختاره لأنفسهم أولو الألباب!

إن الله -سبحانه- في موضع التربية، وفي مجال إقرار القيم الأساسية في التصور الإسلامي لا يعد المؤمنين هنا بالنصر، ولا يعدهم بقهر الأعداء، ولا يعدهم بالتمكين في الأرض، ولا يعدهم شيئا من الأشياء في هذه الحياة.. مما يعدهم به في مواضع أخرى، ومما يكتبه على نفسه لأوليائه في صراعهم مع أعدائه.

إنه يعدهم هنا شيئا واحدا. هو (ما عند الله). فهذا هو الأصل في هذه الدعوة. وهذه هي نقطة الانطلاق في هذه العقيدة: التجرد المطلق من كل هدف ومن كل غاية، ومن كل مطمع -حتى رغبة المؤمن في غلبة عقيدته وانتصار كلمة الله وقهر أعداء الله- حتى هذه الرغبة يريد الله أن يتجرد منها المؤمنون، ويكلوا أمرها إليه، وتتخلص قلوبهم من أن تكون هذه شهوة لها ولو كانت لا تخصها!

هذه العقيدة: عطاء ووفاء وأداء.. فقط. وبلا مقابل من أعراض هذه الأرض، وبلا مقابل كذلك من نصر وغلبة وتمكين واستعلاء.. ثم انتظار كل شيء هناك!

ثم يقع النصر، ويقع التمكين، ويقع الاستعلاء.. ولكن هذا ليس داخلا في البيعة. ليس جزءا من الصفقة. ليس في الصفقة مقابل في هذه الدنيا. وليس فيها إلا الأداء والوفاء والعطاء.. والابتلاء..

على هذا كانت البيعة والدعوة مطاردة في مكة؛ وعلى هذا كان البيع والشراء. ولم يمنح الله المسلمين النصر والتمكين والاستعلاء؛ ولم يسلمهم مقاليد الأرض وقيادة البشرية، إلا حين تجردوا هذا التجرد، ووفوا هذا الوفاء:

قال محمد بن كعب القرظي وغيره: قال عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- لرسول الله [ص] يعني ليلة العقبة [ونقباء الأوس والخزرج يبايعونه [ص] على الهجرة إليهم]: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال:"أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". قال: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنة".. قالوا: ربح البيع. ولا نقيل ولا نستقيل.. هكذا.. "الجنة".. والجنة فقط! لم يقل.. النصر والعز والوحدة. والقوة. والتمكين. والقيادة. والمال. والرخاء -مما منحهم الله وأجراه على أيديهم- فذلك كله خارج عن الصفقة!

وهكذا.. ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل.. لقد أخذوها صفقة بين متبايعين؛ أنهي أمرها، وأمضي عقدها. ولم تعد هناك مساومة حولها!

وهكذا ربى الله الجماعة التي قدر أن يضع في يدها مقاليد الأرض، وزمام القيادة، وسلمها الأمانة الكبرى بعد أن تجردت من كل أطماعها، وكل رغباتها، وكل شهواتها، حتى ما يختص منها بالدعوة التي تحملها، والمنهج الذي تحققه، والعقيدة التي تموت من أجلها. فما يصلح لحمل هذه الأمانة الكبرى من بقي له أرب لنفسه في نفسه، أو بقيت فيه بقية لم تدخل في السلم كافة.