تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

{ 11 - 31 } { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ }

هذه الآيات ، نزلت في الوليد بن المغيرة ، معاند الحق ، والمبارز لله ولرسوله بالمحاربة والمشاقة ، فذمه الله ذما لم يذمه{[1281]}  غيره ، وهذا جزاء كل من عاند الحق ونابذه ، أن له الخزي في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى ، فقال : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } أي : خلقته منفردا ، بلا مال ولا أهل ، ولا غيره ، فلم أزل أنميه وأربيه{[1282]} .


[1281]:- في ب: لم يذم به غيره.
[1282]:- في ب: أربيه وأعطيه.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

ثم ذكر - سبحانه - جانبا من قصة زعيم من زعماء المشركين . افترى الكذب على الله - تعالى - وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فكانت عاقبته العذاب المهين ، فقال - تعالى - : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً . وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً . وَبَنِينَ شُهُوداً . وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً . ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلاَّ . . . } .

وقد ذكر المفسرون أن هذه الآيات نزلت فى شأن الوليد بن المغيرة المخزومى ، وذكروا فى ذلك روايات منها : أن المشركين عندما اجتمعوا فى دار الندوة ، ليتشاوروا فيما يقولونه فى شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وفى شأن القرآن الكريم - قبل أن تقدم عليهم وفود العرب للحج . فقال بعضهم : هو شاعر ، وقال آخرون بل هو كاهن . . أو مجنون . . وأخذ الوليد يفكر ويرد عليهم ، ثم قال بعد أن فكر وقدر : ما هذا الذى يقوله محمد صلى الله عليه وسلم إلا سحر يؤثر ، أما ترونه يفرق بين الرجل وامرأته ، وبين الأخ وأخيه . .

قال الآلوسى : نزلت هذه الآيات فى الوليد بن المغيرة المخزومى ، كما روى عن ابن عباس وغيره . بل قيل : كونها فيه متفق عليه . . وقوله : { وَحِيداً } حال من الياء فى { ذَرْنِي } أى : ذرنى وحدى معه فأنا أغنيك فى الانتقام منه ، أو من التاء فى خلقت أى : خلقته وحدى ، لم يشركنى فى خلقه أحد ، فأنا أهلكه دون أن أحتاج إلى ناصر فى إهلاكه ، أو من الضمير المحذوف العائد على " مَن " أى : ذرنى ومن خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد .

. وكان الوليد يلقب فى قومه بالوحيد . . لتفرده بمزايا ليست فى غيره - فتهكم الله - تعالى - به وبلقبه ، أو صرف هذا اللقب من المدح إلى الذم .

أى : اصبر - أيها الرسول الكريم - على ما يقوله أعداؤك فيك من كذب وبهتان ، واتركنى وهذا الذى خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد ثم أعطيته الكثير من النعم ، فلم يشكرنى على ذلك .

والتعبير بقوله { ذَرْنِي } للتهديد والوعيد ، وهذا الفعل يأتى منه الأمر والمضارع فحسب ، ولم يسمع منه فعل ماض .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

11

( ذرني ومن خلقت وحيدا ) . .

والخطاب للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومعناه خل بيني وبين هذا الذي خلقته وحيدا مجردا من كل شيء آخر مما يعتز به من مال كثير ممدود وبنين حاضرين شهود ونعم يتبطر بها ويختال ويطلب المزيد . خل بيني وبينه ولا تشغل بالك بمكره وكيده . فأنا سأتولى حربه . . وهنا يرتعش الحس ارتعاشة الفزع المزلزل ؛ وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها . . قوة الجبار القهار . . لتسحق هذا المخلوق المضعوف المسكين الهزيل الضئيل ! وهي الرعشة التي يطلقها النص القرآني في قلب القارئ والسامع الآمنين منها . فما بال الذي تتجه إليه وتواجهه !

ويطيل النص في وصف حال هذا المخلوق ، وما آتاه الله من نعمه وآلائه ، قبل أن يذكر إعراضه وعناده . فهو قد خلقه وحيدا مجردا من كل شيء حتى من ثيابه ! ثم جعل له مالا كثيرا ممدودا . ورزقه بنين من حوله حاضرين شهودا ، فهو منهم في أنس وعزوة . ومهد له الحياة تمهيدا ويسرها له تيسيرا . . ( ثم يطمع أن أزيد ) . . فهو لا يقنع بما أوتي ، ولا يشكر ويكتفي . . أم لعله يطمع في أن ينزل عليه الوحي وأن يعطى كتابا كما سيجيء في آخر السورة : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) . . فقد كان ممن يحسدون الرسول[ صلى الله عليه وسلم ] على إعطائه النبوة .