تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

{ 33 } { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }

هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي : لا أحد أحسن قولا . أي : كلامًا وطريقة ، وحالة { مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ } بتعليم الجاهلين ، ووعظ الغافلين والمعرضين ، ومجادلة المبطلين ، بالأمر بعبادة الله ، بجميع أنواعها ، والحث عليها ، وتحسينها مهما أمكن ، والزجر عما نهى الله عنه ، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه ، خصوصًا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه ، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن ، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .

ومن الدعوة إلى الله ، تحبيبه إلى عباده ، بذكر تفاصيل نعمه ، وسعة جوده ، وكمال رحمته ، وذكر أوصاف كماله ، ونعوت جلاله .

ومن الدعوة إلى الله ، الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله ، والحث على ذلك ، بكل طريق موصل إليه ، ومن ذلك ، الحث على مكارم الأخلاق ، والإحسان إلى عموم الخلق ، ومقابلة المسيء بالإحسان ، والأمر بصلة الأرحام ، وبر الوالدين .

ومن ذلك ، الوعظ لعموم الناس ، في أوقات المواسم ، والعوارض ، والمصائب ، بما يناسب ذلك الحال ، إلى غير ذلك ، مما لا تنحصر أفراده ، مما تشمله الدعوة إلى الخير كله ، والترهيب من جميع الشر .

ثم قال تعالى : { وَعَمِلَ صَالِحًا } أي : مع دعوته الخلق إلى الله ، بادر هو بنفسه ، إلى امتثال أمر الله ، بالعمل الصالح ، الذي يُرْضِي ربه . { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } أي : المنقادين لأمره ، السالكين في طريقه ، وهذه المرتبة ، تمامها للصديقين ، الذين عملوا على تكميل أنفسهم وتكميل غيرهم ، وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل ، كما أن من أشر الناس ، قولاً ، من كان من دعاة الضالين{[775]} السالكين لسبله .

وبين هاتين المرتبتين المتباينتين ، اللتين ارتفعت إحداهما إلى أعلى عليين ، ونزلت الأخرى ، إلى أسفل سافلين ، مراتب ، لا يعلمها إلا الله ، وكلها معمورة بالخلق { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }


[775]:- كذا في النسختين ولعل الصواب (من دعاة الضلال).
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

ثم سمت السورة الكريمة بعد ذلك بمنازل الذين يقومون بالدعوة إلى الحق بحكمة وإخلاص فقال - تعالى - : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المسلمين } .

أى . لا أحد أحسن قولا ، وأعظم منزلة ، ممن دعا غيره إلى طاعة الله - تعالى - وإلى المحافظة على أداء ما كلفه به .

ولم يكتف بهذه الدعوة لغيره ، بل أتبع ذلك بالعمل الصالح الذى يجعل المدعوين يزدادون استجابة له .

{ وَقَالَ } : بعد كل ذلك على سبيل السرور والابتهاج والتحدث بنعمة الله { إِنَّنِي مِنَ المسلمين } .

أى : من الذين أسلموا وجوههم لله - تعالى - وأخلصوا له القول والعمل .

قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية ، أى : وهو فى نفسه مهتد بما يقوله ، فنفعه لنفسه لازم ومتعد ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه ، يونهون عن المنكر ويأتونه . . وهذه الآية عامة فى كل من دعا إلى خير ، وهو فى نفسه مهتد .

وقيل المراد بها المؤذنون الصلحاء . . . والصحيح أن الآية عامة فى المؤذنين وفى غيرهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : ومن أحسن أيها الناس قولاً ممن قال ربنا الله ثم استقام على الإيمان به ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ودعا عباد الله إلى ما قال وعمل به من ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : تلا الحسن : وَمَنْ أَحْسَن قَوْلاً مِمّنْ دَعا إلى اللّهِ وَعمِلَ صَالِحا وَقالَ إنّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ قال : هذا حبيب الله ، هذا وليّ الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحبّ الخلق إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحا في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين ، فهذا خليفة الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمَنْ أَحْسَن قَوْلاً مِمّنْ دَعا إلى اللّهِ . . . الاَية ، قال : هذا عبد صدّق قولَه عملهُ ، ومولجُه مخرجُه ، وسرّه علانيته ، وشاهده مغيبه ، وإن المنافق عبد خالف قولَه عملُه ، ومولجَه مخرجُه ، وسرّه علانيته ، وشاهده مغيبه .

واختلف أهل العلم في الذي أريد بهذه الصفة من الناس ، فقال بعضهم : عُنِي بها نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمّنْ دَعا إلى اللّهِ قال : محمد صلى الله عليه وسلم حين دعا إلى الإسلام .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمَنْ أَحْسَن قَوْلاً مِمّنْ دَعا إلى اللّهِ وَعمِلَ صَالِحا وَقالَ إنّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : عُنى به المؤذّن . ذكر من قال ذلك :

حدثني داود بن سليمان بن يزيد المكتب البصري ، قال : حدثنا عمرو بن جرير البجلي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، في قول الله : وَمَنْ أَحْسَن قَوْلاً مِمّنْ دَعا إلى اللّهِ قال : المؤذّن وَعمِلَ صَالِحا قال : الصلاة ما بين الأذان إلى الإقامة .

وقوله : وَقالَ إنّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ يقول : وقال : إنني ممن خضع لله بالطاعة ، وذلّ له بالعبودة ، وخشع له بالإيمان بوحدانيته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

وقوله تعالى : { ومن أحسن قولاً } الآية ابتداء توصية محمد عليه السلام ، وهو لفظ يعم كل من دعا قديماً وحديثاً إلى الله تعالى وإلى طاعته من الأنبياء والمؤمنين ، والمعنى : لا أحد أحسن قولاً ممن هذه حاله ، وإلى العموم ذهب الحسن ومقاتل وجماعة ، وبين أن حالة محمد عليه السلام كانت كذلك مبرزة إلى تخصيصه بالآية ذهب السدي وابن زيد وابن سيرين . وقال قيس بن أبي حازم وعائشة أم المؤمنين وعكرمة : نزلت هذه الآية في المؤذنين . قال قيس : { وعمل صالحاً } هو الصلاة بين الآذان والإقامة . وذكر النقاش ذلك عن ابن عباس . ومعنى القول بأنها في المؤذنين أنهم داخلون فيها ، وأما نزولها فبمكة بلا خلاف ولم يكن بمكة آذان وإنما ترتب بالمدينة ، وإن الآذان لمن الدعاء إلى الله تعالى ولكنه جزء منه . والدعاء إلى الله بقوة كجهاد الكفار وردع الطغاة وكف الظلمة وغيره أعظم غناء من تولي الأذان إذ لا مشقة فيه ، والأصوب أن يعتقد أن الآية نزلت عامة . قال زيد بن علي المعنى : دعا إلى الله بالسيف .

وقرأ الجمهور : «إنني » بنونين . وقرأ ابن أبي عبلة : «إني » بنون واحدة .

وقال فضيل بن رفيدة{[10077]} : كنت مؤذناً في أصحاب ابن مسعود ، فقال لي عاصم بن هبيرة : إذا أكملت الآذان فقل : { إنني من المسلمين } ثم تلا هذه الآية .


[10077]:في القرطبي: (فضيل بن رديفة).