أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فإنهم إذا نظروا إليها ، وجدوها أدلة دالة على توحيد ربها ، وعلى ما له من صفات الكمال .
و كذلك لينظروا إلى جميع مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فإن جميع أجزاء العالم ، يدل أعظم دلالة على اللّه وقدرته وحكمته وسعة رحمته ، وإحسانه ، ونفوذ مشيئته ، وغير ذلك من صفاته العظيمة ، الدالة على تفرده بالخلق والتدبير ، الموجبة لأن يكون هو المعبود المحمود ، المسبح الموحد المحبوب .
وقوله : وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ أي : لينظروا في خصوص حالهم ، وينظروا لأنفسهم قبل أن يقترب أجلهم ، ويفجأهم الموت وهم في غفلة معرضون ، فلا يتمكنون حينئذ ، من استدراك الفارط .
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ أي : إذا لم يؤمنوا بهذا الكتاب الجليل ، فبأي حديث يؤمنون به ؟ " أبكتب الكذب والضلال ؟ أم بحديث كل مفتر دجال ؟ ولكن الضال لا حيلة فيه ، ولا سبيل إلى هدايته . ولهذا قال تعالى مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ
ثم دعاهم القرآن إلى النظر والاستدلال العقلى قال : { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السماوات والأرض وَمَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ } .
الملكوت : هو الملك العظيم زيدت فيه اللام والتاء للمبالغة كما في جبروت .
والجملة الكريمة مسوقة لتوبيخهم على إخلالهم بالتأمل في الآيات التكوينية إثر تقريعهم على عدم تفكرهم في أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم .
أى : أكذبوا ولم يتفكروا في شان رسولهم صلى الله عليه وسلم وما هو عليه من كمال العقل ، ولم ينظروا نظر تأمل واعتبار واستدلال في ملكوت السموات من الشمس والقمر والنجوم وغيرها ، وفى ملكوت الأرض من البحار والجبال والجواب وغيرها ، ولم ينظروا كذلك فيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشىء من أجناس لا يحصرها العدد ولا يحيط بها الوصف مما يشهد بأن لهذا الكون خالقا قادرا هو المستحق وحده للعبادة والخضوع .
وقوله { مِن شَيْءٍ } بيان " لما " وفى ذلك تنبيه على أن الدلالة على التوحيد غير مقصورة على السموات والأرض ، بل كل ذرة من ذرات العالم دليل على توحيده .
وقوله : { وَأَنْ عسى أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ } في محل جر معطوف على ما قبله ، و { أَنْ } مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، وخبرها عسى مع فاعلها الذي هو { أَن يَكُونَ } .
والمعنى : أولم ينظروا - أيضا - في اقتراب آجالهم ، وتوقع حلولها فيسارعوا إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم قبل مفاجأة الموت لهم ونزول العذاب بهم وهم في أتعس حال .
إنهم لو تفكروا في أمر رسولهم صلى الله عليه وسلم ولو نظروا فيما خلق الله من مخلوقات بعين التدبر والاتعاظ ، لآمنوا وهدوا إلى صراط العزيز الحميد .
وقوله : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } أى : إذا لم يؤمنوا بالقرآن وهو أكمل كتب الله بيانا ، وأقواها برهانا ، فبأى كلام بعده يؤمنون ؟
والجملة الكريمة مسوقة للتعجب من أحوالهم . ولقطع أى أمل في إيمانهم لأنهم ما داموا لم يؤمنوا بهذا الرسول المؤيد بالمعجزات ، وبهذا الكلام المعجز الجامع لكل ما يفيد الهداية ، فأخرى بهم ألا يؤمنوا بغير ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىَ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : أو لم ينظر هؤلاء المكذّبون بآيات الله في مُلك الله وسلطانه في السموات وفي الأرض وفيما خلق جلّ ثناؤه من شيء فيهما ، فيتدبروا ذلك ويعتبروا به ويعلموا أن ذلك ممن لا نظير له ولا شبيه ، ومن فعل من لا ينبغي أن تكون العبادة والدين الخالص إلاّ له ، فيؤمنوا به ويصدّقوا رسوله وينيبوا إلى طاعته ويخلعوا الأنداد والأوثان ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت فيهلكوا على كفرهم ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه .
وقوله : فَبِأيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ يقول : فبأيّ تجويف وتحذير وترهيب بعد تحذير محمد صلى الله عليه وسلم وترهيبه الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه يصدّقون ، إن لم يصدّقوا بهذا الكتاب الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى .
وقوله تعالى : { أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء } الآية ، هذا أيضاً توبيخ للكفار وتقرير ، والنظر هنا بالقلب عبرة وفكراً ، و { ملكوت } بناء عظمة ومبالغة ، وقوله : { وما خلق الله من شيء } لفظ يعم جميع ما ينظر فيه ويستدل به من الصنعة الدالة على الصانع ومن نفس الإنس وحواسه ومواضع رزقه ، و «الشيء » واقع على الموجودات ، وقوله : { وإن عسى } عطف على قوله : { في ملكوت } و { أن } الثاني في موضع رفع ب { عسى } ، والمعنى توقيفهم على أن لم يقع لهم نظر في شيء من هذا ولا في أنه قربت آجالهم فماتوا ففات أوان ا?ستدراك ووجب عليهم المحذور ، ثم وقفهم بأي حديث أو أمر يقع إيمانهم وتصديقهم إذا لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة ، ونحو هذا المعنى قول الشاعر : [ الطويل ]
وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل*** والضمير في قوله : { بعده } يراد به القرآن ، وقيل المراد به محمد صلى الله عليه وسلم وقصته وأمره أجمع ، وقيل هو عائد على الأجل بعد الأجل إذ لا عمل بعد الموت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.