1- سورة العنكبوت هي السورة التاسعة والعشرون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد سورة الروم ، أي : أنها من أواخر السور المكية في النزول ، إذ أن ترتيبها في النزول الثالثة والثمانون من بين السور المكية ، ولم ينزل بعدها قبل الهجرة سوى سورة المطففين( {[1]} ) وعدد آياتها تسع وستون آية .
2- وجمهور العلماء على أنها مكية ، ومنهم من يرى أن فيها آيات مدنية .
قال الآلوسي : عن ابن عباس أنها مكية وذهب إلى ذلك –أيضا- الحسن وجابر وعكرمة . وعن بعضهم أنها آخر ما نزل بمكة . . . وقال يحيى بن سلام : هي مكية ، إلا من أولها إلى قوله –تعالى- : [ وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين . . . ]( {[2]} ) .
والذين تطمئن إليه النفس أن سورة العنكبوت كلها مكية ، وليس هناك روايات يعتمد عليها في كون بعض آياتها مدنية .
3- وقد افتتحت سورة العنكبوت ببعض الحروف المقطعة [ الم ] ، ثم تحدثت عن تكاليف الإيمان ، وأنه يستلزم الامتحان والاختبار ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، وعن الحسنة التي أعدها –سبحانه- لعباده المؤمنين الصادقين . قال –تعالى- : [ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ] .
4- ثم حكت جانبا من أقوال المشركين ، ومن دعاواهم الكاذبة ، وردت عليهم بما يبطل أقوالهم ، وبما يزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم . . .
قال –تعالى- : [ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ، وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ، وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ] .
5- ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك ، إلى الحديث عن قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم ، فأشارت إلى قصة نوح مع قومه ، ثم ذكرت بشيء من التفصيل جانبا من قصة إبراهيم مع قومه ، ومن قصة لوط مع قومه ، وأتبعت ذلك بإشارات مركزة تتعلق بقصة شعيب وهو وصالح وموسى مع أقوامهم . . .
ثم اختتمت هذه القصص ببيان العاقبة السيئة التي صار إليها المكذبون لرسلهم ، فقال –تعالى- : [ فكلا أخذنا بذنبه ، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من خسفنا به الأرض ، ومنهم من أغرقنا ، وما كان الله ليظلمهم ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ] .
6- ثم ضربت السورة الكريمة مثلا لحال الذين أشركوا مع الله –تعالى- آلهة أخرى في العبادة ، فشبهت ما هم عليه من كفر وشرك –في ضعفه وهوائه وهلهلته –ببيت العنكبوت ، وأمرت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أن يزدادوا ثباتا على ثباتهم ، وأن يستعينوا على ذلك ، بتلاوة القرآن الكريم ، وبإقامة الصلاة ، وبالإكثار من ذكر الله –تعالى- .
قال –سبحانه- : [ اتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة ، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون ] .
7- ثم أمرت السورة الكريمة المؤمنين بأن يجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم ، وأرشدتهم إلى ما يقولونه لهم ، ومدحت من يستحق المدح منهم ، وذمت من يستحق الذم ، وأقامت الأدلة الساطعة على أن هذا القرآن من عند الله –تعالى- .
قال –سبحانه- : [ وكذلك أنزلنا إليك الكتاب ، فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ، ومن هؤلاء من يؤمن به ، وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون* وما كنت تتلو من قبله من كتاب ، ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون* بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ، وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ] .
8- ثم وجه –سبحانه- نداء إلى المؤمنين ، حضهم فيه على الهجرة من أرض الكفر إلى دار الإيمان ، ورغبهم في ذلك بوسائل ، منها : إخبارهم بأن الآجال بيد الله –تعالى- وحده ، وكذلك الأرزاق بيده وحده ، وأن من استجاب لما أمره الله –تعالى- به ، أعطاه –سبحانه- الكثير من خيره وفضله .
قال –تعالى- [ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون* كل نفس ذائقة الموت ، ثم إلينا ترجعون ] .
9- ثم ساق –سبحانه- في أواخر السورة ، ألوانا من تناقضات المشركين ، حيث إنهم سألهم سائل عمن خلق السموات والأرض . . . قالوا : الله –تعالى- هو الذي خلقهما ، ومع ذلك فهم يشركون معه في العبادة آلهة أخرى ، وإذا أحاط بهم الموج وهم في السفن . . . [ دعوا الله مخلصين له الدين ، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ] ، وهم يعيشون في حرم آمن ، والناس يتخطفون من حولهم . . ومع ذلك فهم بالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون .
هذا شأنهم ، أما المؤمنون الصادقون فقد وعدهم الله –تعالى- بما يقر أعينهم فقال في ختام السورة : [ والذين جاهدوا فينا لنهديَنَّهم سبلنا ، وإن الله لمع المحسنين ] .
10- وهكذا نرى هذه السورة الكريمة ، وقد حدثتنا –من بين ما حدثتنا- عن الإيمان وتكاليفه ، وعن سنن الله في خلقه ، وعن قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم ، وعن هوان الشرك والشركاء ، وعما يعين المؤمن على طاعة الله ، وعن علاقة المؤمنين بغيرهم ، وعن البراهين الساطعة الناطقة بأن هذا القرآن من عند الله ، وعن أن المؤمن لا يليق به أن يقيم في مكان لا يستطيع فيه أن يؤدي شعائر دينه ، وعن سوء عاقبة الأشرار ، وحسن عاقبة الأخيار . . . نسأل الله –تعالى- أن يجعلنا جميعا من عباده الأخيار .
سورة العنكبوت من السور التى افتتحت ببعض حروف التهجى { الم } ، ويبلغ عدد السور التى افتتحت بحروف التهجى ، تسعاً وعشرين سورة .
وقد سبق أن قلنا : لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة قد وردت فى افتتاح بعض السور ، على سبيل الإِيقاظ والتنبيه ، للذين تحداهم القرآن الكريم ، فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك العارضين فى أن القرآن من عند الله : هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامهم ، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك من كونه منزلا من عند الله ، فهاتوا مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك . .
القول في تأويل قوله تعالى : { الَمَ * أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوَاْ أَن يَقُولُوَاْ آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } .
قال أبو جعفر : وقد بيّنا معنى قول الله تعالى ذكره الم وذكرنا أقوال أهل التأويل في تأويله ، والذي هو أولى بالصواب من أقوالهم عندنا ، بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله : أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ فإن معناه : أظَنّ الذين خرجوا يا محمد من أصحابك من أذى المشركين إياهم ، أن نتركَهم بغير اختبار ، ولا ابتلاء امتحان ، بأن قالوا : آمنا بك يا محمد ، فصدّقناك فيما جئتنا به من عند الله ، كَلاّ لنختبرهم ، ليتبين الصادق منهم من الكاذب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله آمّنا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ قال : يُبْتلَون في أنفسهم وأموالهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ : أي لا يُبْتَلَون .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد ، في قوله وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ قال : لا يُبْتَلَون .
فَأَنِ الأولى منصوبة بحسب ، والثانية منصوبة في قول بعض أهل العربية ، بتعلق يتركوا بها ، وأن معنى الكلام على قوله أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا لأن يقولوا آمنا فلما حذفت اللام الخافضة من لأَنْ ، نصبت على ما ذكرت . وأما على قول غيره فهي في موضع خفض بإضمار الخافض ، ولا تكاد العرب تقول : تركت فلانا أن يذهب ، فتدخل أنْ في الكلام ، وإنما تقول : تركته يذهب ، وإنما أدخلت أن هاهنا لاكتفاء الكلام بقوله أنْ يُتْرَكُوا إذ كان معناه : أحسب الناس أن يُتركوا وهم لا يفتنون ، من أجل أن يقولوا آمنا ، فكان قوله : أنْ يُتْرَكُوا مكتفية بوقوعها على الناس ، دون أخبارهم . وإن جعلت «أن » في قوله أنْ يَقُولُوا منصوبة بنية تكرير أحسب ، كان جائزا ، فيكون معنى الكلام : أحسب الناس أن يُتركوا : أحسبوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون .
هذه السورة مكية إلا الصدر منها العشر الآيات فإنها مدنية نزلت في شأن من كان من المسلمين بمكة وفي هذا الفصل اختلاف{[1]} وهذا أصح ما قيل فيه .
المقطعة في أوائل السور ، وقرأ ورش «ألمَ احسب » بفتح الميم من غير همز بعدها وذلك على تخفيف الهمزة وإلقاء حركتها على الميم{[9199]} .
اشتهرت هذه السورة بسورة العنكبوت من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رواه عكرمة قال : كان المشركون إذا سمعوا تسمية سورة العنكبوت يستهزئون بهما ، أي بهذه الإضافة فنزل قوله تعالى { إنا كفيناك المستهزئين } يعني المستهزئين بهذا ومثله وقد تقدم الإلماع إلى ذلك عند قوله تعالى { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } في سورة البقرة .
ووجه إطلاق هذا الاسم على هذه السورة أنها اختصت بذكر مثل العنكبوت في قوله تعالى فيها { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا } .
وهي مكية كلها في قول الجمهور ، ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة ، وقيل بعضها مدني . روى الطبري والواحدي في أسباب النزول عن الشعبي أن الآيتين الأوليين منها أي إلى قوله { وليعلمن الكاذبين } نزلتا بعد الهجرة في أناس من أهل مكة اسلموا فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة أن لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا إلى المدينة فخرجوا مهاجرين فاتبعهم المشركون فردوهم .
وروى الطبري عن عكرمة عن ابن عباس أن قوله تعالى { ومن الناس من يقول آمنا بالله } إلى قوله { وليعلمن المنافقين } نزلت في قوم بمكة وذكر قريبا مما روى عن الشعبي .
وفي أسباب النزول للواحدي : عن مقاتل نزلت الآيتان الأوليان في مهجع مولى عمر بن الخطاب خرج في جيش المسلمين إلى بدر فرماه عامر بن الحضرمي من المشركين بسهم فقتله فجزع عليه أبوه وامرأته فأنزل الله هاتين الآيتين . وعن علي ابن أبي طالب أن السورة كلها نزلت بين مكة والمدينة . وقيل : إن آية { ومن الناس من يقول آمنا بالله } نزلت في ناس من ضعفة المسلمين بمكة كانوا إذا مسهم أذى من الكفار وافقوهم في باطن الأمر وأظهروا للمسلمين أنهم لم يزالوا على إسلامهم كما سيأتي عند تفسيرها .
وقال في الإتقان : ويضم إلى ما استثني من المكي فيها قوله تعالى { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } لما أخرجه ابن أبي حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المؤمنين الذين كانوا بمكة بالمهاجرة إلى المدينة فقالوا كيف نقدم بلدا ليست لنا فيه معيشة فنزلت { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } .
وقيل هذه السورة آخر ما نزل بمكة وهو يناكد بظاهره جعلهم هذه السورة نازلة قبل سورة المطففين . وسورة المطففين آخر السور المكية . ويمكن الجمع بأن ابتداء نزول سورة العنكبوت قبل ابتداء نزول سورة المطففين ثم نزلت سورة المطففين كلها في المدة التي كانت تنزل فيها سورة العنكبوت ثم تم بعد ذلك جميع هذه السورة .
وهذه السورة هي السورة الخامسة والثمانون في ترتيب نزول سور القرآن نزلت بعد سورة الروم وقبل سورة المطففين ، وسيأتي عند ذكر سورة الروم ما يقتضي أن العنكبوت نزلت في أواخر سنة إحدى قبل الهجرة فتكون من أخريات السور المكية بحيث لم ينزل بعدها بمكة إلا سورة المطففين .
وآياتها تسع وستون باتفاق أصحاب العدد من أهل الأمصار .
افتتاح هذه السورة بالحروف المقطعة يؤذن بأن من أغراضها تحدي المشركين بالإتيان بمثل سورة منه كما بينا في سورة البقرة ، وجدال المشركين في أن القرآن نزل من عند الله هو الأصل فيما حدث بين المسلمين والمشركين من الأحداث المعبر عنها بالفتنة في قوله هنا { أن يقولوا آمنا وهو لا يفتنون } . فتعين أن أول أغراض هذه السورة تثبيت المسلمين الذين فتنهم المشركون وصدوهم عن الإسلام أو عن الهجرة مع من هاجروا .
ووعد الله بنصر المؤمنين وخذل أهل الشرك وأنصارهم وملقنهم من أهل الكتاب .
والأمر بمجافاة المشركين والابتعاد منهم ولو كانوا اقرب القرابة .
ووجوب صبر المؤمنين على أذى المشركين وأن لهم في سعة الأرض ما ينجيهم من أذى أهل الشرك .
ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ما عدا الظالمين منهم للمسلمين .
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالثبات على إبلاغ القرآن وشرائع الإسلام .
والتأسي في ذلك بأحوال الأمم التي جاءتها الرسل ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بمثل ما جاءوا به .
وما تخلل أخبار من ذكر فيها من الرسل من العبر .
والاستدلال على أن القرآن منزل من عند الله بدليل أمية من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم .
وتذكير المشركين بنعم الله عليهم ليقلعوا عن عبادة ما سواه .
وإلزامهم بإثبات وحدانيته بأنهم يعترفون بأنه خالق من في السماوات ومن في الأرض .
والاستدلال على البعث بالنظر في بدء الخلق وهو اعجب من إعادته .
وتوعد المشركين بالعذاب الذي يأتيهم بغتة وهم يتهكمون باستعجاله .
وضرب المثل لاتخاذ المشركين أولياء من دون الله بمثل وهي بيت العنكبوت .
تقدم القول في معاني أمثالها مستوفى عند مفتتح سورة البقرة .
واعلم أن التهجي المقصود به التعجيز يأتي في كثير من سور القرآن وليس يلزم أن يقع ذكر القرآن أو الكتاب بعد تلك الحروف وإن كان ذلك هو الغالب في سور القرآن ما عدا ثلاث سور وهي فاتحة سورة مريم وفاتحة هذه السورة وفاتحة سورة الروم . على أن هذه السورة لم تخْلُ من إشارة إلى التحدّي بإعجاز القرآن لقوله تعالى { أوَ لَمْ يَكْفِهِم أنّا أنزلنا إليك الكتاب يُتْلى عليهم } [ العنكبوت : 51 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
سورة العنكبوت مكية ويقال: نزلت بين مكة والمدينة في طريقه حين هاجر صلى الله عليه وسلم.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
... مدنية كلها في واحد قولي ابن عباس وقتادة. وفي القول الثاني لهما وهو قول يحيى بن سلام مكية كلها إلا عشر آيات من أولها مدنية إلى قوله {وليعلمن المنافقين}.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
نزلت في شأن من كان من المسلمين بمكة، وهذا أصح ما قيل فيه.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
أخرج الدارقطني في السنن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات، يقرأ في الركعة الأولى العنكبوت أو الروم، وفي الثانية يس.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
سورة العنكبوت سميت بها لاشتمالها على آية: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت} الآية، المشير إلى أن من اعتمد على قوة الأصنام وحفظها عن العذاب، كالعنكبوت اعتمدت على قوة بيتها التي لا تحتمل مس أدنى الحشرات والرياح، وحفظها عن الحر والبرد. وهذا أتم في الدعوة إلى التوحيد الذي هو أعظم مقاصد القرآن. أفاده المهايمي.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
سورة العنكبوت مكية. وقد ذكرت بعض الروايات أن الإحدى عشرة آية الأولى مدنية. وذلك لذكر "الجهاد "فيها وذكر "المنافقين".. ولكننا نرجح أن السورة كلها مكية. وقد ورد في سبب نزول الآية الثامنة أنها نزلت في إسلام سعد بن أبي وقاص كما سيجيء. وإسلام سعد كان في مكة بلا جدال. وهذه الآية ضمن الآيات الإحدى عشرة التي قيل إنها مدنية. لذلك نرجح مكية الآيات كلها. أما تفسير ذكر الجهاد فيها فيسير. لأنها واردة بصدد الجهاد ضد الفتنة. أي جهاد النفس لتصبر ولا تفتن. وهذا واضح في السياق. وكذلك ذكر النفاق فقد جاء بصدد تصوير حالة نموذج من الناس.
والسورة كلها متماسكة في خط واحد منذ البدء إلى الختام.
إنها تبدأ بعد الحروف المقطعة بالحديث عن الإيمان والفتنة، وعن تكاليف الإيمان الحقة التي تكشف عن معدنه في النفوس. فليس الإيمان كلمة تقال باللسان، إنما هو الصبر على المكاره والتكاليف في طريق هذه الكلمة المحفوفة بالمكاره والتكاليف.
ويكاد هذا أن يكون محور السورة وموضوعها؛ فإن سياقها يمضي بعد ذلك المطلع يستعرض قصص نوح وإبراهيم ولوط وشعيب، وقصص عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان، استعراضا سريعا يصور ألوانا من العقبات والفتن في طريق الدعوة إلى الإيمان. على امتداد الأجيال.
ثم يعقب على هذا القصص وما تكشف فيه من قوى مرصودة في وجه الحق والهدى، بالتصغير من قيمة هذه القوى والتهوين من شأنها، وقد أخذها الله جميعا:
(فكلا أخذنا بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا)..
ويضرب لهذه القوى كلها مثلا مصورا يجسم وهنها وتفاهتها:
(مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).
ويربط بعد ذلك بين الحق الذي في تلك الدعوات والحق الذي في خلق السماوات والأرض؛ ثم يوحد بين تلك الدعوات جميعا ودعوة محمد [صلى الله عليه وسلم] فكلها من عند الله. وكلها دعوة واحدة إلى الله. ومن ثم يمضي في الحديث عن الكتاب الأخير وعن استقبال المشركين له؛ وهم يطلبون الخوارق غير مكتفين بهذا الكتاب وما فيه من رحمة وذكرى لقوم يؤمنون. ويستعجلون بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. ويتناقضون في منطقهم: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله!).. (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله!).. (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين).. ولكنهم مع هذا كله يشركون بالله ويفتنون المؤمنين.
وفي ثنايا هذا الجدل يدعو المؤمنين إلى الهجرة فرارا بدينهم من الفتنة، غير خائفين من الموت، إذ (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا يرجعون). غير خائفين من فوات الرزق: وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم..
ويختم السورة بتمجيد المجاهدين في الله وطمأنتهم على الهدى وتثبيتهم: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين).. فيلتئم الختام مع المطلع وتتضح حكمة السياق في السورة، وتماسك حلقاتها بين المطلع والختام، حول محورها الأول وموضوعها الأصيل.
ويمضي سياق السورة حول ذلك المحور الواحد في ثلاثة أشواط:
الشوط الأول يتناول حقيقة الإيمان، وسنة الابتلاء والفتنة، ومصير المؤمنين والمنافقين والكافرين. ثم فردية التبعة فلا يحمل أحد عن أحد شيئا يوم القيامة: (وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون)..
والشوط الثاني يتناول القصص الذي أشرنا إليه، وما يصوره من فتن وعقبات في طريق الدعوات والدعاة، والتهوين من شأنها في النهاية حين تقاس إلى قوة الله. ويتحدث عن الحق الكامن في دعوة الرسل، وهو ذاته الحق الكامن في خلق السماوات والأرض. وكله من عند الله.
والشوط الثالث يتناول النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى. إلا الذين ظلموا منهم. وعن وحدة الدين كله، واتحاده مع هذا الدين الأخير الذي يجحد به الكافرون، ويجادل فيه المشركون. ويختم بالتثبيت والبشرى والطمأنينة للمجاهدين في الله المهديين إلى سبل الله: (وإن الله لمع المحسنين)..
ويتخلل السورة من المطلع إلى الختام إيقاعات قوية عميقة حول معنى الإيمان وحقيقته. تهز الوجدان هزا. وتقفه أمام تكاليف الإيمان وقفة جد صارم؛ فإما النهوض بها وإما النكوص عنها. وإلا فهو النفاق الذي يفضحه الله.
وهي إيقاعات لا سبيل إلى تصويرها بغير النصوص القرآنية التي وردت فيها. فنكتفي بالإشارة إليها هنا حتى نستعرضها في موضعها مع السياق.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
اشتهرت هذه السورة بسورة العنكبوت من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رواه عكرمة قال: كان المشركون إذا سمعوا تسمية سورة العنكبوت يستهزئون بهما، أي بهذه الإضافة فنزل قوله تعالى {إنا كفيناك المستهزئين} يعني المستهزئين بهذا ومثله وقد تقدم الإلماع إلى ذلك عند قوله تعالى {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} في سورة البقرة.
ووجه إطلاق هذا الاسم على هذه السورة أنها اختصت بذكر مثل العنكبوت في قوله تعالى فيها {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا}.
وهي مكية كلها في قول الجمهور، ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة، وقيل بعضها مدني. روى الطبري والواحدي في أسباب النزول عن الشعبي أن الآيتين الأوليين منها أي إلى قوله {وليعلمن الكاذبين} نزلتا بعد الهجرة في أناس من أهل مكة اسلموا فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة أن لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا إلى المدينة فخرجوا مهاجرين فاتبعهم المشركون فردوهم.
وروى الطبري عن عكرمة عن ابن عباس أن قوله تعالى {ومن الناس من يقول آمنا بالله} إلى قوله {وليعلمن المنافقين} نزلت في قوم بمكة وذكر قريبا مما روى عن الشعبي.
وفي أسباب النزول للواحدي: عن مقاتل نزلت الآيتان الأوليان في مهجع مولى عمر بن الخطاب خرج في جيش المسلمين إلى بدر فرماه عامر بن الحضرمي من المشركين بسهم فقتله فجزع عليه أبوه وامرأته فأنزل الله هاتين الآيتين. وعن علي ابن أبي طالب أن السورة كلها نزلت بين مكة والمدينة. وقيل: إن آية {ومن الناس من يقول آمنا بالله} نزلت في ناس من ضعفة المسلمين بمكة كانوا إذا مسهم أذى من الكفار وافقوهم في باطن الأمر وأظهروا للمسلمين أنهم لم يزالوا على إسلامهم كما سيأتي عند تفسيرها.
وقال في الإتقان: ويضم إلى ما استثني من المكي فيها قوله تعالى {وكأين من دابة لا تحمل رزقها} لما أخرجه ابن أبي حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المؤمنين الذين كانوا بمكة بالمهاجرة إلى المدينة فقالوا كيف نقدم بلدا ليست لنا فيه معيشة فنزلت {وكأين من دابة لا تحمل رزقها}.
وقيل هذه السورة آخر ما نزل بمكة وهو يناكد بظاهره جعلهم هذه السورة نازلة قبل سورة المطففين. وسورة المطففين آخر السور المكية. ويمكن الجمع بأن ابتداء نزول سورة العنكبوت قبل ابتداء نزول سورة المطففين ثم نزلت سورة المطففين كلها في المدة التي كانت تنزل فيها سورة العنكبوت ثم تم بعد ذلك جميع هذه السورة...
افتتاح هذه السورة بالحروف المقطعة يؤذن بأن من أغراضها تحدي المشركين بالإتيان بمثل سورة منه كما بينا في سورة البقرة، وجدال المشركين في أن القرآن نزل من عند الله هو الأصل فيما حدث بين المسلمين والمشركين من الأحداث المعبر عنها بالفتنة في قوله هنا {أن يقولوا آمنا وهو لا يفتنون}. فتعين أن أول أغراض هذه السورة تثبيت المسلمين الذين فتنهم المشركون وصدوهم عن الإسلام أو عن الهجرة مع من هاجروا.
ووعد الله بنصر المؤمنين وخذل أهل الشرك وأنصارهم وملقنهم من أهل الكتاب.
والأمر بمجافاة المشركين والابتعاد منهم ولو كانوا اقرب القرابة.
ووجوب صبر المؤمنين على أذى المشركين وأن لهم في سعة الأرض ما ينجيهم من أذى أهل الشرك.
ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ما عدا الظالمين منهم للمسلمين.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالثبات على إبلاغ القرآن وشرائع الإسلام.
والتأسي في ذلك بأحوال الأمم التي جاءتها الرسل، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بمثل ما جاءوا به.
وما تخلل أخبار من ذكر فيها من الرسل من العبر.
والاستدلال على أن القرآن منزل من عند الله بدليل أمية من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم.
وتذكير المشركين بنعم الله عليهم ليقلعوا عن عبادة ما سواه.
وإلزامهم بإثبات وحدانيته بأنهم يعترفون بأنه خالق من في السماوات ومن في الأرض.
والاستدلال على البعث بالنظر في بدء الخلق وهو اعجب من إعادته.
وتوعد المشركين بالعذاب الذي يأتيهم بغتة وهم يتهكمون باستعجاله.
وضرب المثل لاتخاذ المشركين أولياء من دون الله بمثل وهي بيت العنكبوت.
في حكمة افتتاح هذه السورة بحروف من التهجي، ولنقدم عليه كلاما كليا في افتتاح السور بالحروف فنقول: الحكيم إذا خاطب من يكون محل الغفلة أو من يكون مشغول البال بشغل من الأشغال يقدم على الكلام المقصود شيئا غيره ليلتفت المخاطب بسببه إليه ويقبل بقلبه عليه، ثم يشرع في المقصود. إذا ثبت هذا فنقول ذلك المقدم على المقصود قد يكون كلاما له معنى مفهوم، كقول القائل اسمع، واجعل بالك إلي، وكن لي، وقد يكون شيئا هو في معنى الكلام المفهوم كقول القائل أزيد ويا زيد وألا يا زيد، وقد يكون ذلك المقدم على المقصود صوتا غير مفهوم كمن يصفر خلف إنسان ليلتفت إليه، وقد يكون ذلك الصوت بغير الفم كما يصفق الإنسان بيديه ليقبل السامع عليه. ثم إن موقع الغفلة كلما كان أتم والكلام المقصود كان أهم، كان المقدم على المقصود أكثر. ولهذا ينادي القريب بالهمزة فيقال أزيد والبعيد بيا فيقال يا زيد، والغافل ينبه أولا فيقال ألا يا زيد. إذا ثبت هذا فنقول إن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان يقظان الجنان لكنه إنسان يشغله شأن عن شأن فكان يحسن من الحكيم أن يقدم على الكلام المقصود حروفا هي كالمنبهات، ثم إن تلك الحروف إذا لم تكن بحيث يفهم معناها تكون أتم في إفادة المقصود الذي هو التنبيه من تقديم الحروف التي لها معنى، لأن تقديم الحروف إذا كان لإقبال السامع على المتكلم لسماع ما بعد ذلك فإذا كان ذلك المقدم كلاما منظوما وقولا مفهوما فإذا سمعه السامع ربما يظن أنه كل المقصود ولا كلام له بعد ذلك فيقطع الالتفات عنه. أما إذا سمع منه صوتا بلا معنى يقبل عليه ولا يقطع نظره عنه ما لم يسمع غيره لجزمه بأن ما سمعه ليس هو المقصود، فإذن تقديم الحروف التي لا معنى لها في الوضع، على الكلام المقصود، فيه حكمة بالغة، فإن قال قائل فما الحكمة في اختصاص بعض السور بهذه الحروف؟ فنقول عقل البشر عن إدراك الأشياء الجزئية على تفاصيلها عاجز، والله أعلم بجميع الأشياء، لكن نذكر ما يوفقنا الله له فنقول كل سورة في أوائلها حروف التهجي فإن في أوائلها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن كقوله تعالى: {الم ذلك الكتاب} {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب} {المص كتاب أنزل إليك}... والحكمة في افتتاح السور التي فيها القرآن أو التنزيل أو الكتاب بالحروف، هي أن القرآن عظيم والإنزال له ثقل والكتاب له عبء كما قال تعالى: {إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا} وكل سورة في أولها ذكر القرآن والكتاب والتنزيل قدم عليها منبه يوجب ثبات المخاطب لاستماعه، لا يقال كل سورة قرآن واستماعه استماع القرآن سواء كان فيها ذكر القرآن لفظا أو لم يكن، فكان الواجب أن يكون في أوائل كل سورة منبه، وأيضا فقد وردت سورة فيها ذكر الإنزال والكتاب ولم يذكر قبلها حروف كقوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} وقوله: {سورة أنزلناها} وقوله: {تبارك الذي نزل الفرقان} وقوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} لأنا نقول جوابا عن الأول لا ريب في أن كل سورة من القرآن لكن السورة التي فيها ذكر القرآن والكتاب مع أنها من القرآن تنبه على كل القرآن فإن قوله تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرءان} مع أنها بعض القرآن فيها ذكر جميع القرآن فيصير مثاله مثال كتاب يرد من ملك على مملوكه فيه شغل ما، وكتاب آخر يرد منه عليه فيه: إنا كتبنا إليك كتبا فيها أوامرنا فامتثلها، لا شك أن عبء الكتاب الآخر أكثر من ثقل الأول.
وعن الثاني أن قوله: {الحمد لله، وتبارك الذي} تسبيحات مقصودة وتسبيح الله لا يغفل عنه العبد فلا يحتاج إلى منبه بخلاف الأوامر والنواهي، وأما ذكر الكتاب فيها فلبيان وصف عظمة من له التسبيح {سورة أنزلناها} قد بينا أنها من القرآن فيها ذكر إنزالها وفي السورة التي ذكرناها ذكر جميع القرآن فهو أعظم في النفس وأثقل. وأما قوله تعالى: {إنا أنزلناه} فنقول هذا ليس واردا على مشغول القلب بشيء غيره بدليل أنه ذكر الكناية فيها وهي ترجع إلى مذكور سابق أو معلوم وقوله: {إنا أنزلناه} الهاء راجع إلى معلوم عند النبي صلى الله عليه وسلم فكان متنبها له فلم ينبه، واعلم أن التنبيه قد حصل في القرآن بغير الحروف التي لا يفهم معناها كما في قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} وقوله {يا أيها النبي اتق الله} {يا أيها النبي لم تحرم} لأنها أشياء هائلة عظيمة، فإن تقوى الله حق تقاته أمر عظيم فقدم عليها النداء الذي يكون للبعيد الغافل عنها تنبيها.
وأما هذه السورة افتتحت بالحروف وليس فيها الابتداء بالكتاب والقرآن، وذلك لأن القرآن ثقله وعبئه بما فيه من التكاليف والمعاني، وهذه السورة فيها ذكر جميع التكاليف حيث قال: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا} يعني لا يتركون بمجرد ذلك بل يؤمرون بأنواع من التكاليف فوجد المعنى الذي في السور التي فيها ذكر القرآن المشتمل على الأوامر والنواهي، فإن قيل مثل هذا الكلام، وفي معناه ورد في سورة التوبة وهو قوله تعالى: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} ولم يقدم عليه حروف التهجي فنقول الجواب عنه في غاية الظهور، وهو أن هذا ابتداء كلام، ولهذا وقع الاستفهام بالهمزة فقال {أحسب} وذلك وسط كلام بدليل وقوع الاستفهام بأم والتنبيه يكون في أول الكلام لا في أثنائه.