تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (10)

{ قَالَتِ } لهم { رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ } أي : فإنه أظهر الأشياء وأجلاها ، فمن شك في الله { فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } الذي وجود الأشياء مستند إلى وجوده ، لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات ، حتى الأمور المحسوسة ، ولهذا خاطبتهم الرسل خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه { يَدْعُوكُمْ } إلى منافعكم ومصالحكم { لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أي : ليثيبكم على الاستجابة لدعوته بالثواب العاجل والآجل ، فلم يدعكم لينتفع بعبادتكم ، بل النفع عائد إليكم .

فردوا على رسلهم رد السفهاء الجاهلين { قَالُوا } لهم : { إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا } أي : فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة ، { تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } فكيف نترك رأي الآباء وسيرتهم لرأيكم ؟ وكيف نطيعكم وأنتم بشر مثلنا ؟

{ فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي : بحجة وبينة ظاهرة ، ومرادهم بينة يقترحونها هم ، وإلا فقد تقدم أن رسلهم جاءتهم بالبينات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (10)

ثم بين - سبحانه - ما رد به الرسل على المكذبين من أقوامهم فقال : { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ فَاطِرِ السماوات والأرض يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى . . }

والاستفهام فى قوله { أَفِي الله شَكٌّ } للتوبيخ والإِنكار ، ومحل الانكار هو وقوع الشك فى وجود الله - تعالى - وفى وحدانيته .

وقوله { فَاطِرِ السماوات والأرض } من الفطر بمعنى الخلق والإبداع من غير سبق مثال وأصله : الشق وفصل شئ عن شئ ، ومنه فطر ناب البعير أى : طلع وظهر ، واستعمل فى الإِيجاد والإبداع والخلق لاقتضائه التركيب الذى سبيله الشق والتأليف ، أو لما فيه من الإِخراج من العدم إلى الوجود .

والمعنى : قال الرسل لأقوامهم على سبيل الإِنكار والتعجب من أقوالهم الباطلة : أفى وجود الله - تعالى - وفى وجوب إخلاص العبادة له شك ، مع أنه - سبحانه - هو { فَاطِرِ السماوات والأرض } أى خالقهما ومبدعهما ومبدع ما فيهما على أحكم نظام ، وعلى غير مثال سابق . . وهو - سبحانه - فضلا منه وكرما " يدعوكم " إلى الإِيمان بما جئناكم به من لدنه { لِيَغْفِرَ لَكُمْ } سبب هذا الإِيمان { مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ } فى هذه الدنيا { إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } أى : إلى وقت معلوم عنده تنتهى بانتهائه أعماركم ، دون أن يعاجكم خلال حياتكم بعذاب الاستئصال " رحمة بكم " وأملا فى هدايتكم .

فأنت ترى أن الرسل الكرام قد أنكروا على أقوامهم أن يصل بهم انطماس البصيرة إلى الدرجة التى تجعلهم ينكرون وجود الله مع أن الفطرة شاهدة بوجوده ، وينكرون وحدانيته مع أنه وحده الخالق لكل شئ ، ويشركون معه فى العبادة آلهة أخرى ، مع أن هذه الآية لا تضر ولا تنفع .

وجملة { فَاطِرِ السماوات والأرض } جئ بها كدليل على نفى الشك فى وجوده - سبحانه - وفى وجوب إخلاص العبادة له ، لأن وجودهما على هذا النسق البديع يدل دلالة قاطعة على أن لهما خالقا قادرا حكيما ، لاستحالة صدور تلك المخلوقات من غير فاعل مختار .

وجملة { يدعوكم . . . } حال من اسم الجلالة ، واللام فى قوله { لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } متعلقة بالدعاء .

أى : يدعوكم إلى الإِيمان بنا لكى يغفر لكم .

قال الشوكانى ما ملخصه : " ومن " فى قوله { من ذنوبكم } قال أبو عبيدة : إنها زائدة ، ووجه ذلك قوله - تعالى - فى موضع آخر : { إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً } وقال سيبويه : هى للتبعيض ، ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع ، وقيل التبعيض على حقيقته ولا يلزم ن غفران الذنوب لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - غفران جميعها لغيرهم . .

وقيل هى للبدل ، أى : لتكون المغفرة بدلا من الذنب . . .

وقال الجمل : " ويحتمل أن يضمن " ويغفر " معنى يخلص أى : يخلصكم من ذنوبكم ويكون مقتضاه غفران جميع الذنوب ، وهو أولى من دعوى زيادتها .

وقوله - سبحانه - { قالوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } حكاية لرد آخر من الردود السيئة التى قابل بها المكذبون رسلهم .

أى : قال الظالمون لرسلهم الذين جاءوا لهدايتهم ، ما أنتم إلا بشر مثلنا فى الهيئة والصورة والمأكل والمشرب ، تريدون بما جئتمونا به أن تصرفونا وتمنعونا عن عبادة الآلهة التى ورثنا عبادتها عن آبائنا . . فإن كنتم صادقين فى دعواكم هذه { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أى بحجة ظاهرة تدل على صدقكم وتتسلط هذه الحجة بقوتها على نفوسنا وتجذبها إلى اليقين ، من السلاطة وهى التمكن من القهر .

وكأن هؤلاء الظالمين بقولهم هذا ، يرون أن الرل لا يصح أن يكونوا من البشر ، وإنما يكونون من الملائكة .

وكأن ما أتاهم به الرسل من حجج باهرة تدل على صدقهم ، ليس كافيا فى زعم هؤلاء المكذبين للإِيمان بهم ، بل عليهم أن يأتوهم بحجج باهرة تدل على صدقهم ، ليس كافيا فى زعم هؤلاء المكذبين للإِيمان بهم ، بل عليهم أن يأتوهم بحجج محسوسة أخرى ، وهكذا الجحود العقلى ، والانطماس النفسى يحمل أصحابه على قلب الحقائق ، وإيثار طريق الضلالة على طريق الهداية .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (10)

تأويل قولة تعالى { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكّ فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخّرَكُمْ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى قَالُوَاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدّونَا عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ } .

يقول تعالى ذكره : قالت رسل الأمم التي أتتها رسلها : أفي الله أنه المستحقّ عليكم أيها الناس الألوهة والعبادة دون جميع خلقه ، شكّ ؟ وقوله : فاطِرِ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول : خالق السموات والأرض . يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ يقول : يدعوكم إلى توحيده وطاعته . لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ يقول : فيستر عليكم بعض ذنوبكم بالعفو عنها ، فلا يعاقبكم عليها . وَيُؤَخّرَكُمْ يقول : وينسىء في آجالكم ، فلا يعاقبكم في العاجل فيهلككم ، ولكن يؤخركم إلى الوقت الذي كتب في أمّ الكتاب أنه يقبضكم فيه ، وهو الأجل الذي سمى لكم . فقالت الأمم لهم : إنْ أنْتُمْ أيها القوم إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا في الصورة والهيئة ، ولستم ملائكة ، وإنما تريدون بقولكم هذا الذي تقولون لنا أنْ تَصُدُونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا يقول : إنما تريدون أن تصرفونا بقولك4ع0عبادة ما ك . 4يذبده من الأو5ن آباؤنا : فَأَتُونا بسُلْطانٍ مُبِينٍ يقول : فأتو . ا بح . ذءى ما تقولون تبين لنا حقيقته ثصحته ، فنعلم أنكم فيما تقولون محقّون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (10)

{ قالت رسلهم أفي الله شك } أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه لا في الشك . أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة وظهور دلالتها عليه . وأشاروا إلى ذلك بقولهم : { فاطر السماوات والأرض } وهو صفة أو بدل و{ شك } مرتفع بالظرف . { يدعوكم } إلى الإيمان ببعثه إيانا . { ليغفر لكم } أو يدعوكم إلى المغفرة كقولك : دعوته لينصرني ، على إقامة المفعول له مقام المفعول به . { من ذنوبكم } بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبينه تعالى ، فإن الإسلام يجبه دون المظالم ، وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بي الخطابين ، ولعل المعنى فيه أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فتتناول الخروج عن المظالم . { ويؤخّركم إلى أجل مسمّى } إلى وقت سماه الله تعالى وجعله آخر أعماركم . { قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا } لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلا لبعث من جنس أفضل . { تريدون أن تصدّونا عما كان يعبد آباؤنا } بهذه الدعوى . { فأتونا بسلطان مبين } يدل على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزية ، أو على صحة ادعائكم النبوة كأنهم لم يعتبروا ما جاءوا به من البينات والحجج واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتا ولجاجا .